فصل [في معنى قوله تعالى: {ولو شاء الله ما اقتتل}]
  بين من يخلق ومن لا يخلق.
  والعدلية لم يعبروا عن فعل العبد بأنه خلقه، وإنما يقولون: أوجده على حسب اختياره، ونسبة ذلك إليهم بهت.
  وقد قامت الدلالة العقلية على أن ثم فرق بين الحركة الاضطرارية والإختيارية.
  وأما قوله تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ}(١) فالعدلية يعترفون أن الايمان نعمة من الله أنعم بها على المؤمنين بالدعاء والعقل، وبعث الرسل، وإنزال الكتب والألطاف.
  وأما قوله تعالى: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا ٤١}(٢) فقد ذكر الله العلة في ذلك، وهو إرادة أن يذكروا فأبوا إلا نفوراً عن الحق، وليس فيها ما يدل على أنه لم يرد إيمانهم، بل ذكر العكس.
  وأما قوله تعالى: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا}(٣) فمعناه من جعلنا قلبه غافلاً عن الذكر بالخذلان لإتباعه هواه، أوجدناه غافلاً عنه، كقولك: جبنته، وأبخلته إذا وجدته كذلك، أو من أغفل إبله إذا تركها بغير سمة، أي لم نسمه بالذكر.
  وقد أبطل الله توهم المجبرة بقوله: {وَاتَّبَعَ هَوَاهُ}.
(١ النحل (٥٣).
(٢) الإسراء (٤١).
(٣) الكهف (٢٨).