التحفة العسجدية فيما دار من الاختلاف بين العدلية والجبرية،

الحسن بن يحيى القاسمي (المتوفى: 1343 هـ)

فصل [في معنى قوله تعالى: {ولو شاء الله ما اقتتل}]

صفحة 58 - الجزء 1

  بين من يخلق ومن لا يخلق.

  والعدلية لم يعبروا عن فعل العبد بأنه خلقه، وإنما يقولون: أوجده على حسب اختياره، ونسبة ذلك إليهم بهت.

  وقد قامت الدلالة العقلية على أن ثم فرق بين الحركة الاضطرارية والإختيارية.

  وأما قوله تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ}⁣(⁣١) فالعدلية يعترفون أن الايمان نعمة من الله أنعم بها على المؤمنين بالدعاء والعقل، وبعث الرسل، وإنزال الكتب والألطاف.

  وأما قوله تعالى: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا ٤١}⁣(⁣٢) فقد ذكر الله العلة في ذلك، وهو إرادة أن يذكروا فأبوا إلا نفوراً عن الحق، وليس فيها ما يدل على أنه لم يرد إيمانهم، بل ذكر العكس.

  وأما قوله تعالى: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا}⁣(⁣٣) فمعناه من جعلنا قلبه غافلاً عن الذكر بالخذلان لإتباعه هواه، أوجدناه غافلاً عنه، كقولك: جبنته، وأبخلته إذا وجدته كذلك، أو من أغفل إبله إذا تركها بغير سمة، أي لم نسمه بالذكر.

  وقد أبطل الله توهم المجبرة بقوله: {وَاتَّبَعَ هَوَاهُ}.


(١ النحل (٥٣).

(٢) الإسراء (٤١).

(٣) الكهف (٢٨).