التحفة العسجدية فيما دار من الاختلاف بين العدلية والجبرية،

الحسن بن يحيى القاسمي (المتوفى: 1343 هـ)

فصل [في معنى قوله تعالى: {ولو شاء الله ما اقتتل}]

صفحة 59 - الجزء 1

  وأما قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ}⁣(⁣١) فمعنى جعلنا حكمنا على الأنبياء بعداوة أهل الفسق والردة من المجرمين {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}⁣(⁣٢) واقتضى ذلك عداوة الكفار لهم، فهو سبحانه الحامل والداعي إلى ما استعقب تلك العداوة.

  وأما قوله تعالى: {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ}⁣(⁣٣) يعني لمشركي مكة، لما تعاموا عن اتباع الحق، وتجاهلوا وهم يعلمون أنه الحق، وتمادوا قدرنا وأخرجنا لهم من الشياطين قرناء أخدانا، وخذلناهم بسبب ذلك فلم يبق لهم قرناء سوى الشياطين {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا}⁣(⁣٤) بسبب ذلك، ثم بين سبحانه أن بعضهم يزين لبعض، ولم يقل ليزينوا.

  وأما قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ٩٦}⁣(⁣٥) فنذكر ما قاله الرازي في مفاتيح الغيب، لأنه منهم، قال ما لفظه: احتج جمهور الأصحاب بقوله: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ٩٦} على أن فعل العبد مخلوق لله تعالى، فقالوا⁣(⁣٦): النحويون اتفقوا على أن لفظ ما مع ما بعده في تقدير المصدر، فقوله: {وَمَا تَعْمَلُونَ} معناه وعملكم، وعلى هذا التقدير صار معنى الآية: والله خلقكم وخلق عملكم.


(١) الفرقان (٣١).

(٢) المجادلة (٢٢).

(٣) فصلت (٢٥).

(٤) الزخرف (٣٦).

(٥) الصافات (٩٦).

(٦) أي الأصحاب.