فصل [في معنى قوله تعالى: {ولو شاء الله ما اقتتل}]
  فإن قيل: هذه الآية حجة عليكم من وجوه: الأول - أنه قال تعالى: {أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ ٩٥} أضاف العبادة والنحت إليهم أضافة الفعل إلى الفاعل، ولو كان ذلك واقعاً بتخليق الله لاستحال كونه فعلاً للعبد.
  الثاني: أنه تعالى إنما ذكر هذه الآية توبيخاً لهم على عبادة الأصنام، لأنه تعالى بين أنه خلقهم، وخالق لتلك الأصنام، والخالق هو المستحق للعبادة دون المخلوق، فلما تركوا عبادته سبحانه، وهو خالقهم، وعبدوا الأصنام لا جرم أنه سبحانه وتعالى وبخهم على هذا الخطأ العظيم فقال: {أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ ٩٥ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ٩٦}
  ولو لم يكونوا فاعلين لأفعالهم لما جاز توبيخهم عليها، سلمنا أن هذه الآية ليست حجة عليكم، لكن لا نسلم أنها حجة لكم.
  قوله: لفظة (ما) مع ما بعدها في تقدير المصدر؟
  قلنا: هذا ممنوع، وبيانه أن سيبويه والأخفش اختلفا في أنه هل يجوز أن يقال: أعجبني ما قمت، أي قيامك، فجوزه سيبويه، ومنعه الأخفش، وزعم أن هذا لا يجوز إلا في الفعل المتعدي، وذلك يدل على أن ما مع ما بعدها في تقدير المفعول عند الأخفش، سلمنا أن ذلك قد يكون بمعنى المصدر لكنه أيضاً قد يكون بمعنى المفعول، ويدل عليه وجوه:
  الأول - قوله: {أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ ٩٥} والمراد بقوله: {مَا تَنْحِتُونَ ٩٥} المنحوت لا النحت، لأنهم ما عبدوا النحت، وإنما عبدوا المنحوت، فوجب أن يكون المراد بقوله: {مَا تَعْمَلُونَ ٩٨} المعمول لا العمل، حتى يكون كل واحد من هذين اللفظين على وفق الآخر.