التحفة العسجدية فيما دار من الاختلاف بين العدلية والجبرية،

الحسن بن يحيى القاسمي (المتوفى: 1343 هـ)

فصل [في معنى قوله تعالى: {ولا ينفعكم نصحي}]

صفحة 62 - الجزء 1

  يُغْوِيَكُمْ}⁣(⁣١) خلاف مذهبنا لأنه لم يقل تعالى: إنه فعل الغواية وأرادها، وإنما أخبر أن نصح النبيء عليه الصلاة والسلام لا ينفع إن كان الله يريد غوايتهم. ووقوع الإرادة لذلك أو جواز وقوعها لا دلالة عليه في الظاهر، على أن الغواية هاهنا الخيبة، وحرمان الثواب، قال الشاعر:

  فمن يلق خيراً يحمد الناس أمره ... ومن يغو لا يعدم على الغي لائماً

  فكأنه تعالى قال: إن كان الله يريد أن يعاقبكم بسوء أعمالكم، ويحرمكم ثوابه، فليس ينفعكم نصحي ما دمتم مقيمين على ما أنتم عليه إلا أن تطيعوا، وقد سمى الله العقاب غياً، قال تعالى: {فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ٥٩}⁣(⁣٢) وما قبل هذه الآية يشهد بما ذكرناه، وأن القوم استعجلوا عقاب الله تعالى، فقالوا: {يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا}⁣(⁣٣) إلى قوله: {وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي} فأخبر أن نصحه لا ينفع من يرد الله أن ينزل به العذاب.

  وقيل: كان في القوم مجبرة، فنبههم على فساد مذهبهم، على طريقة الإنكار والتعجب من قولهم، أي إن كان كما تقولون فما ينفعكم نصحي، فلا تطلبوا مني نصحاً، وأنتم على ذلك لا تنتفعون به.

  وقال الحسن البصري: المعنى فيها أن الله يريد أن يعذبكم فليس ينفعكم نصحي عند نزول العذاب بكم، وإن قبلتموه وآمنتم به، لأن من حكم الله تعالى أن لا يقبل الإيمان عند نزول العذاب.


(١) هود (٣٤).

(٢) مريم (٥٩).

(٣) هود (٣٢).