[كلام ابن القيم في القدرية]
  وقيل: لبعض هؤلاء: أليس هو يقول: {وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ}(١)! فقال: دعنا من هذا رضيه وأحبه وأراده، وما أفسدنا غيره.
  ولقد بالغ بعضهم في ذلك حتى قال: القدر عذر لجميع العصاة، وإنما مثلنا في ذلك كما قيل:
  إذا مرضنا أتيناكم نعودكم ... وتذنبون فنأتيكم فنعتذر
  وبلغ بعض هؤلاء أن علياً # مر بقتلى النهروان، فقال: بؤساً لكم، لقد ضركم من غركم، فقيل: من غرهم؟ فقال: الشيطان والنفس الأمارة بالسوء والأماني، فقال هذا القائل: كان علي قدرياً، وإلا فالله غرهم، وفعل بهم ما فعل، وأوردهم تلك الموارد.
  واجتمع جماعة من هؤلاء يوماً فتذاكروا القدر، فجرى ذكر الهدهد وقوله: {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ}(٢) فقال: كان الهدهد قدرياً، أضاف العمل إليهم، والتزيين إلى الشيطان، وجميع ذلك فعل الله.
  وسئل بعض هؤلاء عن قوله تعالى لإبليس: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}(٣) أيمنعه ثم يسأله ما منعه؟ قال: نعم، قضى عليه في السر ما منعه في العلانية، ولعنه عليه، قال له: فما معنى قوله تعالى: {وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ}(٤) إذا كان هو الذي منعهم؟.
  قال: استهزأ بهم، قال: فما معنى قوله: {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ
(١) الزمر (٧).
(٢) النمل (٢٤).
(٣) ص (٧٥).
(٤) النساء (٣٩).