التحفة العسجدية فيما دار من الاختلاف بين العدلية والجبرية،

الحسن بن يحيى القاسمي (المتوفى: 1343 هـ)

[كلام ابن القيم في القدرية]

صفحة 70 - الجزء 1

  وقيل: لبعض هؤلاء: أليس هو يقول: {وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ}⁣(⁣١)! فقال: دعنا من هذا رضيه وأحبه وأراده، وما أفسدنا غيره.

  ولقد بالغ بعضهم في ذلك حتى قال: القدر عذر لجميع العصاة، وإنما مثلنا في ذلك كما قيل:

  إذا مرضنا أتيناكم نعودكم ... وتذنبون فنأتيكم فنعتذر

  وبلغ بعض هؤلاء أن علياً # مر بقتلى النهروان، فقال: بؤساً لكم، لقد ضركم من غركم، فقيل: من غرهم؟ فقال: الشيطان والنفس الأمارة بالسوء والأماني، فقال هذا القائل: كان علي قدرياً، وإلا فالله غرهم، وفعل بهم ما فعل، وأوردهم تلك الموارد.

  واجتمع جماعة من هؤلاء يوماً فتذاكروا القدر، فجرى ذكر الهدهد وقوله: {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ}⁣(⁣٢) فقال: كان الهدهد قدرياً، أضاف العمل إليهم، والتزيين إلى الشيطان، وجميع ذلك فعل الله.

  وسئل بعض هؤلاء عن قوله تعالى لإبليس: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}⁣(⁣٣) أيمنعه ثم يسأله ما منعه؟ قال: نعم، قضى عليه في السر ما منعه في العلانية، ولعنه عليه، قال له: فما معنى قوله تعالى: {وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ}⁣(⁣٤) إذا كان هو الذي منعهم؟.

  قال: استهزأ بهم، قال: فما معنى قوله: {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ


(١) الزمر (٧).

(٢) النمل (٢٤).

(٣) ص (٧٥).

(٤) النساء (٣٩).