فصل [احتجاج للعدلية من كلام الرازي في الاستعاذة]
  قلت: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}(١) وقلت: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}(٢) وقلت: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}(٣) فمع هذه الأعذار الظاهرة، والأسباب القوية، كيف يجوز في حكمتك ورحمتك أن تذمني وتلعنني.
  السادس: جعلتني مرجوماً، ملعوناً، بسبب جرم صدر مني، أو لا بسبب جرم صدر مني، فإن كان الأول بطل الجبر، وإن كان الثاني، فهذا محض الظلم، وأنت قلت: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ ٣١}(٤) فكيف يليق هذا بك!.
  فإن قال قائل: هذه الإشكالات إنما تلزم على قول من يقول بالجبر، وأنا لا أقول بالجبر ولا بالقدر، بل أقول الحق: حالة متوسطة بين الجبر والقدر، وهو (الكسب).
  فنقول: هذا ضعيف، لأنه إما أن يكون لقدرة العبد أثر في الفعل على سبيل الإستقلال، أو لا يكون، فإن كان الأول فهو تمام القول بالإعتزال، وإن كان الثاني فهو الجبر المحض.
  والسؤالات المذكورة واردة على هذا القول، فكيف يعقل حصول الواسطة؟ إنتهى كلام الرازي.
  فالقول بالجبر هو لمن قال بخلق الأفعال، والفلاسفة والدهرية.
  قال الرازي: وأما الفلاسفة، فالجبر مذهبهم، ثم قال: والدهرية،
(١) البقرة (٢٨٦).
(٢) البقرة (١٨٥).
(٣) الحج (٧٨).
(٤) غافر (٣١).