التحفة العسجدية فيما دار من الاختلاف بين العدلية والجبرية،

الحسن بن يحيى القاسمي (المتوفى: 1343 هـ)

فصل [في الكسب]

صفحة 92 - الجزء 1

  بصعوبة إيضاح معنى الكسب.

  وقال الغزالي: لا تعرف مسألة الكسب، لا في الدنيا ولا في الآخرة، وقال ابن عربي: مكثت ثلاثين سنة أبحث عنها، ولم أعرفها، ثم اعترف بالجبر، حتى قال: والذي أظنه أن الأشعري إنما قال بالكسب مع معرفته أنه ليس تحته مسمى تستراً عما يلزم الجبر من اللوازم.

  إلى أن قال: ومن العجائب إصرارهم على دعوى الكسب مع عدم عثورهم على ماهيته قرناً بعد قرن، منذ عصر الشيخ أبي الحسن إلى تاريخنا، وقد تعب من تعب منهم في البحث عن حقيقته، وأفنى عمره في طلب معرفته فلم يجد ما يشفي، وكأنهم يلتمسون محله الذي واراه فيه الشيخ الكبير، ويظنون بأنفسهم القصور، أو التقصير، فهم في هذا التعب والشقا، ولم يعلموا أن الشيخ إنما دفنه تحت بيضة العنقاء⁣(⁣١).

  ومن عجائبهم: انهم يقولون: إن الكسب كان مذهب النبي ÷ والصحابة والتابعين، وإن هذا أمراً كان مأنوساً، ثم يرتبون على هذا الإفتراء صرف جميع ما في القرآن من ذكر لفظ الكسب إلى اصطلاح الأشعري، ويتركون اللغة العربية ظهرياً، وهو من جنس تحريف الباطنية، ويغفلون عما يوردونه هم من مجادلة أبي بكر وعمر في ذلك، وذهاب أحدهما إلى الإختيار، والآخر إلى الجبر، وترافعهما إلى النبي ÷ وقوله لهما: إن المجادلة في ذلك قد


(١) العنقاء طائر متوهم يضرب به المثل فيما هو مستحيل. تمت من المعجم الوجيز.