حكاية [بين أبي حنيفة وموسى بن جعفر]
  وقعت بين جبريل وميكائيل، ولم يجيء في ما رووه هم ذكر الكسب والتوسط بزعمهم، ولا ذكر في المناظرات منذ عصر النبي ÷ إلى عصر الأشعري، وكانت المناظرة في خلق الأفعال لا تزال، وما كان الناس إلا فرقتين جبرية وعدلية. إلى أن قال: ومن عجائبهم تصدره للوعظ، وكثرة تصنيفهم فيه، ومذهبهم يقتضي أن هذا من جملة العبث، إذ لا حاصل فيه إن لم يخلق الله الطاعة، ومع خلقه لها لا حاجة إلى الوعظ، ولا يصلح أن يكون الوعظ سبباً لخلق الله الطاعة، إذ لا تكون أفعاله تعالى ناشئة عن علل كما هو مذهبهم.
  ومن تصفح ما تعلقوا به في إثبات مذهبهم على أنهم جبرية، فقولهم: لا موجد إلا الله لو سألتهم عن الكسب الذي لا تدرك ماهيته، هل أوجده العبد باختياره؟ وقدرته المؤثرة، أو الله سبحانه الذي أوجده؟ لقالوا: الله الذي أوجده إذ ليس للعبد قدرة مؤثرة، وهذا الجبر، وإن قالوا بالأول فهو مذهب أهل العدل.
حكاية [بين أبي حنيفة وموسى بن جعفر]
  روي عن أبي حنيفة قال: دخلت المدينة فأتيت أبا عبد الله فسلمت عليه وقمت من عنده، ورأيت ابنه موسى في دهليزه قاعداً في مكتبه، وهو صغير السن، فقلت له أين يحدث الرجل عندكم إذا أراد ذلك؟ فنظر إلي، ثم قال: يتجنب شطوط الأنهار، ومسقط الثمار، وأفناء الدور، والطرق النافذة، والمساجد، ويضع ويرفع بعد ذلك حيث شاء.
  قال: فلما سمعت هذا القول نبل في عيني وعظم في قلبي، فقلت