فصل [في قوله ÷ «القدرية مجوس هذه الأمة»]
  لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ٤٢}(١) هل يخلو من أن يكون أكذبهم، لأنهم مستطيعون الخروج، وهم يكذبون، فيقولون: لسنا نستطيع ولو استطعنا لخرجنا معكم، فأكذبهم الله تعالى على هذا الوجه؟.
  أو يكون على وجه آخر، يقول: {إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ٤٢} أي أن أعطيتهم الاستطاعة لم يخرجوا فتكون معهم الاستطاعة على الخروج، ولا يخرجون - ولا يكون الخروج - وعلى كل حال قد كانت الاستطاعة على الخروج، ولا يكون الخروج، ولا يعقل للآية معنى ثالثاً غير الوجهين الذين ذكرناهما.
فصل [في قوله ÷ «القدرية مجوس هذه الأمة»]
  واعلم أنه قد جاء عن النبي ÷ «أن القدرية مجوس هذه الأمة»، واتفق أهل الملة على صحة هذا الخبر، واختلفوا فيمن أراده ÷ فقالت العدلية: إن القدرية هم المجبرة، والمجبرة هم كل من زعم أن المكلف لا اختيار له في فعله، وأنه مخلوق فيه.
  يدل على أنهم هم القدرية أنهم يقولون: إن المعاصي بقدر الله، ونحن ننفي ذلك عن الله سبحانه، والنسبة في لغة العرب من الإثبات لا من النفي، كجبري لمن أثبت الجبر، وثنوي لمن أثبت إلهاً مع الله، لا لمن ينفي ذلك.
  وقالت المجبرة: بل العدلية هم القدرية، لأنهم أثبتوا قدرة
(١) التوبة (٤٢).