قوله تعالى: {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة}
  ولا يدري ما يصنع الله به لأجلها، وهل وقعت مُخلِّصَةً له عن عهدة ما لزمه أم لا، ثم إنه سبحانه لما ذكر هذه الصفات للمؤمنين المخلصين قال: {أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} أي يبادرون فيستكثرون منها، لأن المسارع إلى الشيء مستكثر منه وراغب فيه، وقيل: يتعجلون في الدنيا المنافع ووجوه الإكرام كقوله تعالى: {فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ}[آل عمران: ١٤٨] {وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ٢٧}[العنكبوت] لأنهم إذا سورع لهم بها فقد سارعوا في نيلها وهذا أحسن طباقاً للآية الأولى لأن فيه إثبات ما نفي عن الكفار في قوله قبلها: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ ٥٥ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ}[المؤمنون].
  وعن علي #: (إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يُصْبِحُ وَلَا يُمْسِي إلَّا وَنَفْسُهُ ظَنُونٌ عِنْدَهُ، فَلَا يَزَالُ زَارِياً عَلَيْهَا وَمُسْتَزِيداً لَهَا).
  وقال في صفة المتقين: (لَا يَرْضَوْنَ مِنْ أَعْمَالِهِمُ الْقَلِيلَ، وَلَا يَسْتَكْثِرُونَ الْكَثِيرَ، فَهُمْ لِأَنْفُسِهِمْ مُتَّهِمُونَ، وَمِنْ أَعْمَالِهِمْ مُشْفِقُونَ، مِنْ عَلَامَةِ أَحَدِهِمْ يَعْمَلُ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ وَهُوَ عَلَى وَجَلٍ).
  قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ}[النور: ١٩]
  {تَشِيع} أي تنتشر وتذيع، فتدل على قبح حب ذلك، وعلى تحريم إشاعتها أولى، لذا توعد المحبين بأن لهم عذاب أليم في الدنيا وهو الحد، والآخرة وهو النار لمن لم يتب، فعلى المؤمن أن يحب المؤمن في الله وأن يرى له ما يرى لنفسه، ومن