المواعظ الشافية شرح الأنوار الهادية،

الحسن بن يحيى القاسمي (المتوفى: 1343 هـ)

قوله تعالى: {يابني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور

صفحة 138 - الجزء 1

  قوله: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} أي بسبب الأمر والنهي، إنَّ ذلك المذكور من عزم الأمور، أي مقطوعاتها وواجباتها، {وَلَا تُصَاعِرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ} أي لا تُمِلْ وجهك عنهم تكبراً، بل أقبل على الناس بوجهك، والصَّعَرُ داءٌ يصيب البعير، يلوي منه عنقه، وقوله {مَرَحًا} أي خيلاء، والمختال المتكبر، والفخور المتطاول على الناس بنفسه، المفتخر عليهم بما معه من مناقبه.

  {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ} كن وسطاً وامش بالوقار والسكينة.

  وفي أمالي المرشد بالله قال ÷: «لَا يَدْخُلُ النَّارَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ، وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ» قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ لَيُعْجِبُنِي أَنْ يَكُونَ ثَوْبِي غَسِيلًا، وَرَأْسِي دَهِينًا، وَشِرَاكُ نَعْلِي جَدِيدًا، وَذَكَرَ أَشْيَاءَ، حَتَّى ذَكَرَ عَلَّاقَةَ السَّوْطِ، أَفَمِنَ الْكِبْرِ ذَلِكَ؟ قَالَ: «لَا، ذَلِكَ الْجَمَالُ، إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، وَلَكِنَّ الْكِبْرَ مَنْ سَفِهَ الْحَقَّ وَازْدَرَى النَّاسَ» [الأمالي الخميسية ٢/ ٣٠٠].

  وفيها قال رسول الله ÷: «رَأْسُ التَّوَاضُعِ ثَلَاثَةٌ: الِابْتِدَاءُ بِالتَّسْلِيمِ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ، وَالرِّضَى بِالْمَجْلِسِ عَنْ شَرَفِ الْمَجْلِسِ، وَمَحَبَّةُ الْعَبْدِ الْمَسَاجِدَ، وَتَرْكُ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ فِي شَيْءٍ مِنْ دِينِهِ» [الأمالي الخميسية ٢/ ٣٠١].

  وقال علي #: (فَاعْتَبِروا بِمَا كَانَ مِنْ فِعْلِ اللهِ بِإِبْلِيسَ، إِذْ أَحْبَطَ عَمَلَهُ الطَّوِيلَ، وَجَهْدَهُ الْجَهِيدَ، وَقَدْ كَانَ عَبَدَ اللهَ سِتَّةَ آلَافِ سَنَةٍ، لَا يُدْرَى أَمِنْ سِنِيِّ الدُّنْيَا أَمْ مِنْ سِنِيِّ الْآخِرَةِ، عَلَى كِبْرِ سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ.

  فَمَنْ بَعْدَ إِبْلِيسَ يَسْلَمُ عَلَى اللهِ بِمِثْلِ مَعْصِيَتِهِ؟ كَلَّا؛ مَا كَانَ اللهُ سُبْحَانَهُ لِيُدْخِلَ الْجَنَّةَ بَشَراً بِأَمْرٍ أَخْرَجَ بِهِ مِنْهَا مَلَكاً، إِنَّ حُكْمَهُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ وَأَهْلِ الْأَرْضِ