المواعظ الشافية شرح الأنوار الهادية،

الحسن بن يحيى القاسمي (المتوفى: 1343 هـ)

قوله تعالى: {فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم

صفحة 154 - الجزء 1

  كمتاع الراكب الذي يتعجله لسير مع السفر، كشربه سويق أو تميرات، {وَمَا عِندَ اللَّهِ} من الثواب في الآخرة خيرٌ مما عندكم وأبقى؛ لأنه لا انقطاع له، إذْ ذلك كما قال رسول الله ÷: «الْجَنَّةُ لَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَلَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ، حَصْبَاؤُهَا اليَاقُوتُ وَالزُّمُرُّدُ، وَمِلَاطُهَا المِسْكُ الأَذْفَرُ، تُرَابُهَا الزَّعْفَرَانُ، أَنْهَارُهَا جَارِيةٌ، وَثِمَارُهَا مُتَدَلِّيةٌ، وَأَطْيَارُهَا مُرِنَّةٌ، لَيْسَ فِيهَا شَمْسٌ وَلَا زَمْهَرِيرٌ، لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْ أَهلِهَا أَلفُ حَوْرَاءَ يَمْكُثُ مَعَ الْحَوْرَاءِ مِنْ حُورِهَا أَلْفَ عَامٍ لَا تَمَلُّهُ وَلَا يَمَلُّهَا، وَإنَّ أَدْنَى أَهلِ الجَنَّةِ مَنْزِلَةً لَمَنْ يُغْدَى عَلَيْهِ وَيُرَاحُ بِعَشَرَةِ آلَافِ صَحْفَةٍ؛ فِي كُلِّ صَحْفَةٍ لَوْنٌ مِنَ الطَّعَامِ، لَهُ رَائِحَةٌ وَطَعْمٌ لَيْسَ لِلْآخَرِ، [وَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ يَمُرُّ بِهِ الطَّائِرُ فَيَشْتَهِيهِ فَيَخِرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ إِمَّا طَبِيخاً وَإِمَّا مَشْوِيّاً مَا خَطَرَ بِبَالِهِ مِنَ الشَّهْوَةِ]⁣(⁣١) وَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ لَيَكُونُ فِي جَنَّةٍ مِنْ جِنَانِهِ بَيْنَ أَنْوَاعِ الشَّجَرِ إذْ يَشْتَهِي ثَمَرَةً مِنْ تِلْكَ الثِّمَارِ، فَتَدَّلَّى إِلَيْهِ، فَيَأكُلُ مِنْهَا مَا أَرَادَ، وَلَوْ أَنَّ حَوْرَاءَ مِنْ حُورِهِمْ بَرَزَتْ لِأَهْلِ الْأَرْضِ، لَأَعْشَتْ ضَوْءَ الشَّمْسِ، وَلَافْتَتَنَ بِهَا أَهْلُ الْأَرْضِ» [مسند الإمام زيد ٢٧٥].

  وقال علي #: (بَادِرُوا بِأَعْمَالِكُمْ تَكُونُوا مَعَ جِيرَانِ اللهِ فِي دَارِهِ، رَافَقَ بِهِمْ رُسُلَهُ، وَأَزَارَهُمْ مَلَائِكَتَهُ، وَأَكرَمَ أَسْمَاعَهُمْ أَنْ تَسْمَعَ حَسِيسَ نَارٍ أَبَداً، وَصَانَ أَجْسَادَهَمْ أَنْ تَلْقَى لُغُوباً وَنَصَباً).

  ثم بين تعالى أن هذه الخيرية لمن اتصف بصفات:

  الأولى: الإيمان.

  الثانية: أن يكون من المتوكلين على فضل الله، مفوض أمره إليه دون خلقه.

  الثالثة: أن يكون من المجتنبين لكبائر الإثم والفواحش.


(١) ما بين المعكوفين زيادة من مسند الإمام زيد ومن الأربعين العلوية وغيرها، تمت.