المواعظ الشافية شرح الأنوار الهادية،

الحسن بن يحيى القاسمي (المتوفى: 1343 هـ)

قوله تعالى: {فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم

صفحة 156 - الجزء 1

  أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، يَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ يَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، أَوْ يَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، وَلَئِنْ أَمْشِي مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ - مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ - شَهْرًا، وَمَنْ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ؛ مَلَأَ اللَّهُ قَلْبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رِضًا، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ يَقْضِيهَا لَهُ؛ ثَبَّتَ اللَّهُ قَدَمَهُ يَوْمَ تَزِلُّ الْأَقْدَامُ» [الأمالي الخميسية ٢/ ٢٤٥].

  التاسعة: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ} فإذا أصابهم ظلم في دينهم أو أموالهم أو دمائهم لم يتركوا النصرة حتى يُثبتوا الحق ويزيلوا الباطل، ولم يذلوا أنفسهم للبغاة الظلمة.

  قوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} فله المكافأة إلا فيما حَرَّم الشرعُ، كفاحشة يأتيها فاسق في حرمة مؤمنٍ، إلا أن العفو وترك المكافأة وإصلاح الود بينه وبين المعفوِّ عنه أفضل؛ لقوله تعالى: {فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} وهذه عِدَةٌ مُبهمة لا يقاس أمرها في العظم، أي فله من جزيل الثواب ما لا يبلغه وصفُ واصفٍ.

  ثم قال تعالى: {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} بل يبغضهم وهم البادئين، وفيه إشارة إلى أنَّ الانتصار لا يُؤْمَنُ فيه الاعتداء، خاصةً حال الغضب، ثم ذكر المنتصر فقال: {وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ} أي يفعل به مثل ما فعل به ظالمه، فالمنتصرون ما عليهم من سبيل، أي من طريق للعقوبة ولا للذم، إنما السبيل على الذين يبدأون بالظلم ويبغون في الأرض بالتكبر فيها والفساد بغير الحق، أي بالمعاصي، {أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} شديد، ثم لما كان الصبر والعفو أفضل وأحسن أكد بقوله: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ} وقوله: {فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} وقوله: {وَلَمَن صَبَرَ} أي على الظلم والأذى {وَغَفَرَ} أي عفى ولم ينتصر وفوض أمره إلى الله، وقوله: