[الحب في الله والمخوة في الدين]
  يَا عَبْدَ اللهِ، لَا تَعْجَلْ فِي عَيْبِ أَحَدٍ(١) بِذَنْبِهِ، فَلَعَلَّهُ مَغْفُورٌ لَهُ، وَلَا تَأْمَنْ عَلَى نَفْسِكَ صَغِيرَ مَعْصِيَةٍ، فَلَعَلَّكَ مُعَذَّبٌ عَلَيْهِ; فَلْيَكْفُفْ مَنْ عَلِمَ مِنْكُمْ عَيْبَ غَيْرِهِ لِمَا يَعْلَمُ مِنْ عَيْبِ نَفْسِهِ، وَلْيَكُنِ الشُّكْرُ شَاغِلاً لَهُ عَلَى مُعَافَاتِهِ مِمَّا ابْتُلِيَ بِهِ غَيْرُهُ.
  أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ عَرَفَ مِنْ أَخِيهِ وَثِيقَةَ دِينٍ وَسَدَادَ طَرِيقٍ، فَلَا يَسْمَعَنَّ فِيهِ أَقَاوِيلَ الرِّجَالِ، أَمَا إِنَّهُ قَدْ يَرْمِي الرَّامِي، وَتُخْطِيءُ السِّهَامُ، وَيَحِيكُ الْكَلَامُ، وَبَاطِلُ ذلِكَ يَبْورُ، وَاللهُ سَمِيعٌ وَشَهِيدٌ، أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ إِلَّا أَرْبَعُ أَصَابِعَ.
  فَسُئِلَ # عن معنى قوله هذا، فجمع أصابعه ووضعها بين أذنه وعينه، ثمّ قال: الْبَاطِلُ أَنْ تَقُولَ سَمِعْتُ، وَالْحَقُّ أَنْ تَقُولَ رَأَيْتُ).
  وقال #: (قَاتِلْ هَوَاكَ بِعَقْلِكَ)، (كَفَاكَ أَدَباً لِنَفْسِكَ اجْتِنَابُ مَا تَكْرَهُهُ مِنْ غَيْرِكَ)، (أَكْبَرُ الْعَيْبِ أَنْ تَعِيبَ مَا فِيكَ مِثْلُهُ)، (مَنْ أَسْرَعَ إِلَى النَّاسِ بِمَا يَكْرَهُونَ، قَالُوا فِيهِ ما لَا يَعْلَمُونَ).
  وقال #: (إِذَا اسْتَوْلَى الصَّلَاحُ عَلَى الزَّمَانِ وَأَهْلِهِ ثُمَّ أَسَاءَ رَجُلٌ الظَّنَّ بِرَجُل لَمْ تَظْهَرْ مِنْهُ خزْيَةٌ فَقَدْ ظَلَمَ! وَإِذَا اسْتَوْلَى الْفَسَادُ عَلَى الزَّمَانِ وأَهْلِهِ فَأَحْسَنَ رَجُلٌ الظَّنَّ بِرَجُل فَقَدْ غَرَّرَ!)(٢).
  وقال: (اتَّقُوا ظُنُونَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْحَقَّ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ).
  ثم قال تعالى: {وَ لَا تَجَسَّسُوا} تماماً لما سبق لأنه تعالى لما قال: {اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ} فُهِمَ منه أن المعتبر اليقين، أي لا تتبعوا عورات المسلمين ومعايبهم بالبحث عنها بعد معرفتكم لوثيقة دينهم.
(١) في الأصل: عَبْد، والمثبت من الديباج والنهج، تمت.
(٢) أي حمل نفسه على الغرر وهو الخطأ. تمت أعلام.