المواعظ الشافية شرح الأنوار الهادية،

الحسن بن يحيى القاسمي (المتوفى: 1343 هـ)

قوله تعالى: {اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل

صفحة 168 - الجزء 1

  حَلَالِهَا حِسَابٌ، وَفِي حَرَامِهَا عِقَابٌ. مَنِ اسْتَغْنَى فِيهَا فُتِنَ، وَمَنِ افْتَقَرَ فِيهَا حَزِنَ، وَمَنْ سَاعَاهَا فَاتَتْهُ، وَمَنْ قَعَدَ عَنْهَا وَاتَتْهُ، وَمَنْ أَبْصَرَ بِهَا بَصَّرَتْهُ، وَمَنْ أَبْصَرَ إلَيْهَا أَعْمَتْهُ).

  وقال #: (أُحَذِّرُكُمُ الدُّنْيَا، فَإِنَّهَا حُلْوَةٌ خَضِرِةٌ، حُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ، وَتَحَبَّبَتْ بِالْعَاجِلَةِ، وَرَاقَتْ بِالْقَلِيلِ، وَتَحَلَّتْ بِالْآمَالِ، وَتَزَيَّنَتْ بِالْغُرُورِ، لَا تَدُومُ حَبْرَتُهَا، وَلَا تُؤْمَنُ فَجْعَتُهَا، غَرَّارَةٌ ضَرَّارَةٌ، حَائِلَةٌ زَائِلَةٌ، نَافِدَةٌ بَائِدَةٌ، أَكَّالَةٌ غَوَّالَةٌ، لَا تَعْدُو - إِذَا تَنَاهَتْ إِلَى أُمْنِيَّةِ أَهْلِ الرَّغْبَةِ فِيهَا والرضى بِهَا - أَنْ تَكُونَ كَمَا قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ: {كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ}⁣[الكهف: ٤٥].

  لَمْ يَكُنِ امْرُؤٌ مِنْهَا فِي حَبْرَةٍ إِلَّا أَعْقَبَتْهُ بَعْدَهَا عَبْرَةً، وَلَمْ يَلْقَ منْ سَرَّائِهَا بَطْناً إِلَّا مَنَحَتْهُ مِنْ ضَرَّائِهَا ظَهْراً، وَلَمْ تَطُلَّهُ فِيهَا دِيمَةُ رَخَاءٍ؛ إِلَّا هَتَنَتْ عَلَيهِ مُزْنَةُ بَلَاءٍ! وَحَرِيٌّ إِذَا أَصْبَحَتْ لَهُ مُنْتَصِرَةً أَنْ تُمْسِيَ لَهُ مُتَنَكِّرَةً، وَإِنْ جَانِبٌ مِنْهَا اعْذَوْذَبَ وَاحْلَوْلَى أَمَرَّ مِنْهَا جَانِبٌ فَأَوْبَى! لَا يَنَالُ امْرُؤٌ مِنْ غَضَارَتِهَا رَغَباً، إِلَّا أَرْهَقَتْهُ مِنْ نَوَائِبِهَا تَعَباً! وَلَا يُمْسِي مِنْهَا فِي جَنَاحِ أَمْنٍ، إِلَّا أَصْبَحَ عَلَى قَوَادِمِ خَوْفٍ! غَرَّارَةٌ غُرُورٌ مَا فِيهَا، فَانِيَةٌ فَانٍ مَنْ عَلَيْهَا، لَا خَيْرَ في شَيْءٍ مِنْ أَزْوَادِهَا إِلَّا التَّقْوَى.

  مَنْ أَقَلَّ مِنْهَا اسْتَكْثَرَ مِمَّا يُؤْمِنُهُ! وَمَنِ اسْتَكْثَرَ مِنْهَا اسْتَكْثَرَ مِمَّا يُوبِقُهُ، وَزَالَ عَمَّا قَلِيلٍ عَنْهُ. كُمْ مِنْ وَاثِقٍ بِهَا قَدْ فَجَعَتْهُ، وَذِي طُمَأْنِينَةٍ إِلَيْهَا قَدْ صَرَعَتْهُ، وَذِي أُبَّهَةٍ قَدْ جَعَلَتْهُ حَقِيراً، وَذِي نَخْوَةٍ قَدْ رَدَّتْهُ ذَلِيلاً!

  سُلْطَانُهَا دُوَلٌ، وَعَيْشُهَا رَنِقٌ، وَعَذْبُهَا أُجَاجٌ، وَحُلْوُهَا صَبِرٌ، وَغِذَاؤُهَا سِمَامٌ، وَأَسْبَابُهَا رِمَامٌ! حَيُّهَا بِعَرَضِ مَوْتٍ، وَصَحِيحُهَا بَعَرَضِ سُقْمٍ! مُلْكُهَا مَسْلُوبٌ،