قوله تعالى: {اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل
  فَقَدْ أَخَذَ الزُّهْدَ بِطَرَفَيْهِ)، انتهى. لأنه من علم أنَّ ما عنده مفقود لا محالة لم يشتد حزنه عند فقده لأنه وَطَّنَ نفسه على ذلك، وكذا من علم أن بعض الخير واصل إليه لا يفوته بحال لم يعظم فرحه عند نيله، فينبغي الفرح عند التوفيق للطاعة والعصمة من المعصية.
  ثم قال تعالى: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ} بل يبغض: {كُلَّ مُخْتَالٍ} متكبر بما أوتي، ومعجب به، {فَخُورٍ} على الناس، لأن من فرح بحظ من الدنيا وعَظُمَ في نفسه افتخر على الناس، وقوله: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} بَدَلٌ مِنْ {كُلَّ مُخْتَالٍ}، كأنه قال لا يحب المختال ولا يحب الذين يبخلون؛ إذ لحبه ما أوتي وعزته عنده يبخل به، ولا يكفيهم أنهم يبخلون به، بل يأمرون الناس بالبخل به، وكل ذا مُنْتِجُهُ فرحهم به.
  قال علي #: (الْبُخْلُ جَامعٌ لِمَسَاوِئِ الْعُيُوبِ، وَهُوَ زِمَامٌ يُقَادُ بهِ إِلَى كُلِّ سُوءٍ).
  ثم قال تعالى: {وَمَن يَتَوَلَّ} أي يعرض عن أوامر الله ونواهيه {فَإِنَّ اللَّهَ الْغَنِيُّ} عنه وعن غيره {الْحَمِيدُ} أي المستوجب للحمد أو الحميد لأوليائه.
  فاعلم أن إمعانك النظر في هذه الآية والعمل بها يقودك إلى رضا الرحمن، والمجاورة له في الجنان، وبذلك تنجو من النيران فاتعظ بها، والزم بها.
  قال علي #: (إِنَّمَا الْمَرْءُ فِي الدُّنْيَا غَرَضٌ تَنْتَضِلُ فِيهِ الْمَنَايَا، وَنَهْبٌ تُبَادِرُهُ الْمَصَائِبُ، وَمَعَ كُلِّ جُرْعَةٍ شَرَقٌ، وَفِي كُلِّ أَكْلَةٍ غَصَصٌ، وَلَا يَنَالُ الْعَبْدُ نِعْمَةً إِلَّا بِفِرَاقِ أُخْرَى، وَلَا يَسْتَقْبِلُ يَوْماً مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا بِفِرَاقِ آخَرَ مِنْ أَجَلِهِ.
  فَنَحْنُ أَعْوَانُ الْمَنُونِ، وَأَنْفُسُنَا نَصْبُ الْحُتُوفِ، فَمِنْ أَيْنَ نَرْجُو الْبَقَاءَ؟! وَهذَا