المواعظ الشافية شرح الأنوار الهادية،

الحسن بن يحيى القاسمي (المتوفى: 1343 هـ)

قوله تعالى: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان

صفحة 51 - الجزء 1

  ووعيده، ووعظهم، أو القيام عنهم، وإظهار الكراهة لفعلهم، لعلهم يتقون - مالا يتقوه - الخائضين، أو لعل الخائضين يتقون الخوض، فعليك بترك مجالسة العاصين، ومسامرة من هو متضمخ بالمعاصي، لا يرعوي عن الخوض في آيات الله وأعراض العلماء والصلحاء، بل ذَكِّرْهم إن أمكن، واتركهم بعد، إلا أنْ يتركوا، قال تعالى: {أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ}⁣[النساء: ١٤٠] ومن خاض في أعراض العلماء لأجل ما علموا أو عملوا من آيات الله فحكمه كذلك، وقد قال علي #: (النَّاسُ أَعْدَاءُ مَا جَهِلُوا).

  ونسأل الله أن يعصمني وإخواني عن الخوض في آيات الله وفي أعراض الأئمة والعلماء، وأن يرزقنا معرفة حقهم وحق سائر المؤمنين، وأن يقينا شرور أنفسنا الأمارة بالسوء، الطالبة للعلو، المستقبحة من الغير ما لا تستقبحه منها.

  وما أحسن قول علي # - وأنَّى لهذه النفس التيقظ له والانتباه لمحاسنه - قال # لرجل سأله أن يعظه: (لَا تَكُنْ مِمَّنْ يَرْجُو الْآخِرَةَ بِغَيْرِ الْعَمَلِ، وَيُرَجِّي التَّوْبَةَ بِطُولِ الْأَمَلِ، يَقُولُ فِي الدُّنْيَا بِقَوْلِ الزَّاهِدِينَ، وَيَعْمَلُ فِيهَا بَعَمَلِ الرَّاغِبِينَ، إِنْ أُعْطِيَ مِنْهَا لَمْ يَشْبَعْ، وَإِنْ مُنِعَ مِنْهَا لَمْ يَقْنَعْ، يَعْجزُ عَنْ شُكْرِ مَا أُوتِيَ، وَيَبْتَغِي الزِّيَادَةَ فِيمَا بَقِيَ، يَنْهَى وَلَا يَنْتَهِي، وَيَأْمُرُ بِمَا لَا يَأْتِي، يُحِبُّ الصَّالِحِينَ وَلَا يَعْمَلُ عَمَلَهُمْ، وَيُبْغِضُ الْمُذْنِبِينَ وَهُوَ أَحَدُهُمْ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ لِكَثْرَةِ ذُنُوبِهِ، وَيُقِيمُ عَلَى مَا يَكْرَهُ الْمَوْتَ لَهُ، إِنْ سَقِمَ ظَلَّ نَادِماً، وَإِنْ صَحَّ أَمِنَ لَاهِياً، يَعْجَبُ بِنَفْسِهِ إِذَا عُوفِيَ، وَيَقْنَطُ إِذَا ابْتُلِيَ، إِنْ أَصَابَهُ بَلَاءٌ دَعَا مُضْطَرّاً، وإِنْ نَالَهُ رَخَاءٌ أَعْرَضَ مُغْتَرّاً، تَغْلِبُهُ نَفْسُهُ عَلَى مَا يَظُنُّ، وَلَا يَغْلِبُهَا عَلَى مَا يَسْتَيْقِنُ، يَخَافُ عَلَى غَيْرِهِ بِأَدْنىَ مِنْ ذَنْبِهِ،