المواعظ الشافية شرح الأنوار الهادية،

الحسن بن يحيى القاسمي (المتوفى: 1343 هـ)

قوله تعالى: {وبشر المخبتين 34 الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم والصابرين على ما أصابهم والمقيمي الصلاة

صفحة 121 - الجزء 1

  قوله تعالى: {وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ ٣٤ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ٣٥}⁣[الحج: ٣٥]

  {الْمُخْبِتِينَ} المطيعين المتواضعين، من الْخَبْتِ وهو المطمئن من الأرض، يعني الخاشعين، ثم وصفهم تعالى بأنهم {إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} أي خافت وفزعت هيبةً لجلاله وبطشه بالعصاة، فتقشعر جلودهم من خشية الله تعالى، والصابرين على ما أصابهم من المحن والمصائب، {وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ} على ما أُمِروا من تمامها في أوقاتها، {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} أي يتصدقون، زكاةً وغيرها، فأمر الله نبيه ÷ بأن يبشر هؤلاء؛ ونعم البشارة دار الكرامة.

  قال أمير المؤمنين للأحنف: ادْعُ أَصْحَابِي، فَدَعَاهُمْ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ قَوْمٌ مُتَخَشِّعُونَ كَأَنَّهُمْ شِنَانٌ بَوالٍ⁣(⁣١)، فَقَالَ الْأَحْنَفُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؛ مَا هَذَا الَّذِي نَزَلَ بِهِمْ، أَمِنْ قِلَّةِ الطَّعَامِ أَمْ مِنْ هَوْلِ الْحَرْبِ؟

  قَالَ #: لَا يَا أَحْنَفُ ... إِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْماً تَنَسَّكُوا فِي دَارِ الدُّنْيَا تَنَسُّكَ مَنْ هَجَمَ عَلَى مَا عَلِمَ مِنْ فَزَعِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُشَاهِدُوهَا، فَحَمَّلُوا أَنْفُسَهُمْ كُلَّ مَجْهُودِهَا، فَكَانُوا إِذَا ذَكَرُوا صَبَاحَ يَوْمِ الْعَرْضِ عَلَى اللهِ تَعَالَى تَوَهَّمُوا خُرُوجَ عُنُقٍ مِنَ النَّارِ، يَحْشُرُ الْخَلائِقَ إِلَى رَبِّهِمْ ø، وَظُهُورَ كِتَابٍ تَبْدُو فِيهِ فَضَائِحُ ذُنُوبِهِمْ، فَكَادَتْ أَنْفُسُهُمْ تَسِيلُ سَيَلَاناً، وَتَطِيرُ قُلُوبُهُمْ بِأَجْنِحَةِ الْخَوْفِ طَيَرَاناً، وَتُفَارِقُهُمْ عُقُولُهُمْ إِذَا غَلَتْ بِهِمْ مرَاجِلُ الْمَرَدِّ إِلَى اللهِ تَعَالَى غَلَيَاناً. يَحِنُّونَ حَنِينَ الْوَالِهِ فِي دُجَى الظُّلَمِ، ذُبْلُ الْأَجْسَامِ، حَزِينَةٌ قُلُوبُهُمْ، كَالِحَةٌ وُجُوهُهُمْ، ذَابِلَةٌ شِفَاهُهُمْ خَمِيصَةٌ بُطُونُهُمْ، تَرَاهُمْ سُكَارَى وَلَيْسُوا بِسُكَارَى، هُمْ سُمَّارُ وُحْشَةِ


(١): شِنَانٌ مفردها شَنٌّ، وهي الْقِرْبَةُ الْخَلَقُ، وَبَوَالٍ: أي باليات، (انظر القاموس المحيط ١٢١٠).