قوله تعالى: {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم}
  وَيَرْجُو لِنَفْسِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ عَمَلِهِ، إِنْ اسْتَغْنَى بَطِرَ وَفُتِنَ، وَإِنِ افْتقَرَ قَنِطَ وَوَهَنَ، يُقَصِّرُ إِذَا عَمِلَ، وَيُبَالِغُ إِذَا سَأَلَ، إِنْ عَرَضَتْ لَهُ شَهْوَةٌ أَسْلَفَ الْمَعْصِيَةَ وَسَوَّفَ التَّوْبَةَ، وَإِنْ عَرَتْهُ مِحْنَةٌ انْفَرَجَ عَنْ شَرَائِطِ الْمِلَّةِ، يَصِفُ الْعِبْرَةَ وَلَا يَعْتَبِرُ، وَيُبَالِغُ فِي الْمَوْعِظَةِ وَلَا يَتَّعِظُ، فَهُوَ بِالْقَوْلِ مُدِلٌّ، وَمِنَ الْعَمَلِ مُقِلٌّ، يُنَافِسُ فِيمَا يَفْنَى، وَيُسَامِحُ فِيمَا يَبْقَى، يَرَى الْغُنْمَ مَغْرَماً، وَالْغُرْمَ مَغْنَماً، يَخْشَى الْمَوْتَ وَلَا يُبَادِرُ الْفَوْتَ، يَسْتَعْظِمُ مِنْ مَعْصِيَةِ غَيْرِهِ مَا يَسْتَقِلُّ أَكْثَرَ مِنْهُ مِنْ نَفْسِهِ، وَيَسْتَكْثِرُ مِنْ طَاعَتِهِ مَا يَحْقِرُهُ مِنْ طَاعَةِ غَيْرِهِ، فَهُوَ عَلَى النَّاسِ طَاعِنٌ، وَلِنَفْسِهِ مُدَاهِنٌ، اللَّهْوُ مَعَ الْأَغْنِيَاءِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الذِّكْرِ مَعَ الْفُقَرَاءِ، يَحْكُمُ عَلَى غَيْرِهِ لِنَفْسِهِ وَلَا يَحْكُمُ عَلَيْهَا لِغَيْرِهِ، يُرْشِدُ غَيْرَهُ، وَيُغْوِي نَفْسَهُ، فَهُوَ يُطَاعُ وَيَعْصِي، وَيَسْتَوْفِي وَلَا يُوفِي، وَيَخْشَى الْخَلْقَ فِي غَيْرِ رَبِّهِ، وَلَا يَخْشَى رَبَّهُ فِي خَلْقِهِ). انتهى.
  وعن النبي ÷ أنه قال: «مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ كَمِثْلِ صَاحِبِ الْمِسْكِ إِنْ لَمْ يُصِبْكَ مِنْهُ شَيْءٌ أَصَابَكَ مِنْ رِيحِهِ، وَمَثَلُ الْجَلِيسِ السُّوءِ كَمِثْلِ صَاحِبِ الكِيرِ إنْ لَمْ يُصِبْكَ مِنْهُ شَيْءٌ أَصَابَكَ مِنْ دُخَّانِهِ» [تيسير المطالب ٥٦٤].
  قوله تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ}[الأنعام: ١٠٨]
  أي لا تسبوا الذين يعبدون وهي الأصنام فيسبوا من أمَرَكم بعيب الأصنام ومن يعبدها، أو لا تسبوا الأصنام فيحملهم الغيظ والجهل على أن يسبوا من تعبدونه كما سببتم ما يعبدونه عدواناً وتجاوزاً عن الحد بغير علم.
  وفي هذه الآية أدب عظيم ودلالة على أن على المحق أن يكف عن سب السفهاء لئلا يسارعوا إلى سبه مقابلة له؛ لأنه بمنزلة البعث على المعصية، ولا