[في الحج وفضله]
  الحياة أمواتاً، وبعد غضارة العيش رفاتاً، أو قد أوقفتم للتحصيل بين يدي مليك جليل، هنالك {تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}[الجاثية: ٢٢]، {فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ}[فاطر: ٥].
  أيها المؤمنون: إن من أبرز خصائص الإسلام: أنه رفع شأن الإنسان وأعز منزلته فجعله خليفة الخالق وسيد المخلوقات، يعمر الأرض والنفوس بالعمران وبالإيمان، وذلك حين شرفه بالفرائض وأمره بالتكاليف الشرعية، وأوجب عليه الصلاة والصيام والجهاد والحج وغيرها من الفرائض، وفريضة الحج من أَجَلِّ الفرائض الشرعية شرعها لله لتظل أمة حبيبه محمد ÷ تحمل لواء التوحيد، وتجسد وحدة الإنسانية، وتحقق أسمى ما تصبوا إليه البشرية من تطبيق التحرر والمساواة والعدالة والأمن، ففي الحج أداء لحقوق الله ولحقوق الناس، وسياحة للبدن، ومعراج للروح، وتوحيد لشتات الأمر، ونشر لكلمة التوحيد، وشاء الله سبحانه أن يجعل للناس حرماً آمناً وأرضاً للسلام يملأ ذكرها النفوس بالأمن والطمأنينة، جعل الله البيت الحرام مثابة للناس وأمناً تفزع إليه النفوس الخائفة، وتطمئن بجواره القلوب، ولا ينحصر استشعار الأمن في ربوع هذا البيت في التخلص من مخاوف الحيوة وحدها، بل فيه أمان للناس من الذنوب فهو موضع للتوبة والرجوع إلى الله سبحانه، لذلك كرر القرآن آياته مؤكداً على قدسية هذا الحرم وأمنه ليحرر الإنسان من الخوف ومن محنه التي تطارده في كل العصور، فيقول الله تعالى: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ ٣ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَءَامَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ٤}[قريش: ٥]، ويقول تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا ءَامِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ}[إبراهيم: ٣٥]، ويقول جل وعز: {فِيهِ ءَايَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ ءَامِنًا}[آل عمران: ٩٧]، ويقول جل شأنه: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ