[في ذكر أيام العشر]
الخطبة الأولى
[في ذكر أيام العشر]
  
  الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي سجدت لعظمته القوالب والقلوب، وانطوت تحت حواشي ستره خفيات الغيوب، المتعالي عن القضاء بالفساد، المنزه عن اتخاذ الصواحب والأولاد، {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}[الأنعام ١٠٣]، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[الشورى: ١١]، لا يقضي بالمعاصي، ولا يحب الفساد، ولا يرضى لعباده الكفر، ولا يظلم العباد.
  أحمده حمدَ من غرق في بحار نعمه الباطنة والظاهرة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة أعدها للقائه، وأتوسل بها لدفع بلائه، وأشهد أن سيدنا ومولانا محمداً عبده ورسوله، وخاتم أنبيائه صلى الله وسلم عليه وعلى آله أولياء الله وأصفيائه.
  عباد الله: نتواصى بتقوى الله وطاعته، فمن الذي يؤمنكم على المكث على ارتكاب الجرائر، وأنتم تعلمون أنكم محاسبون على الصغائر والكبائر، ومع ذلك فالحاكم العدل هو رقيب عليكم ولما اقترفتموه شاهد حاضر، ثم ما يطمعكم في الإقامة والأيام بكم تسافر؟، ألا وإنكم في مبدأ سفر قد استقلت ركائبه، وفي منتهى وقوف قد قربت خيامه ونجائبه، فأعطوا الحزم أيها العباد حقه، وتزودوا للآخرة فقد علمتم بعد المشقة، وتخففوا فقد جاوزتكم الرفقة، فإنكم إن مشيتم في آثار قوم قد عمروا هذه المباني، وتمتعوا من قبلكم في هذا المتاع الفاني، طولوا كما طولتم الآمال، وغرتهم كما غرتكم الأماني والإمهال، ثم أخذوا من هذه الدنيا غفلة، وأبدلوا عن الحلول فيها بالسفر والرحلة، فانقلبوا إلى قبور