خمسون خطبة للجمع والأعياد،

لا يوجد (معاصر)

[في ذكر أيام العشر]

صفحة 123 - الجزء 1

  شديدة الظلمة، وبُدِّلوا بالمسرات أهوالاً، وخلت عنهم الديار وعفت معالمهم الآثار، كأن لم يلبثوا فيها إلا ساعة من نهار، وهكذا تنقضي الأعوام والأحقاب، وتذهب الأعقاب بعد الأعقاب، حتى يلحق الباقي من قد تلف، ويمضي التالي على إثر من قد سلف، فيا خلائق الرفات، ويا أيها الأجساد الذين هم عن قريب أموات، إنما هذه الدنيا خيال كاذب، وإنما المرء فيها عرضة للنوائب، بينما يكون العبد ساهياً في نشوته، ولا هياً في قضاء شهوته، مغتبطاً بماله، ومبتهجاً مختالاً بهيئته وجماله، راكضاً في ميادين حرصه وآماله، إذ دهمته فجائع الآلام وطرقته طرائق الأوجاع والأسقام، وجاءه الموت وسكراته، وتغرغرت بالماء لهاته، وعرق للكرب والغصص جبينه، ثم انقطع بعد ذلك نفسه وأنينه، وأدرج ملفوفاً في أكفانه، وحجب عن أهله وأحبته وخلانه، وجفاه الأصدقاء والأحباب، وافترش في قبره الجنادل والتراب.

  إن هذا يا عباد الله جد لا لعب، وإن هذا والله صدق لا كذب، فتداركوا ما قد سلف من التقصير والتفريط، وعاتبوا أنفسكم على ما استحلت من التخليط، فهذه أيام التوبة والندم في شهر حرام وفي بدء أيام عند الله عظيمة، هذه أيام العشر التي أتم الله بها ميقات كليمه موسى # فقال جل وعلا: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً}⁣[الأعراف: ١٤٢]، وهي التي أقسم الله بها حين يقول: {وَالْفَجْرِ ١ وَلَيَالٍ عَشْرٍ ٢}⁣[الفجر: ١]، وهي الأيام المعلومات التي أمرنا الله بذكره فيها حين يقول: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ}⁣[الحج: ٢٨]، فاغتنموا هذه الأيام العظيمة، واغتنموا فيها الأعمال الصالحة، من صيام وصدقات ومعروف وإحسان، واذكروا الله ذكراً كثيراً وسبحوه بكرة وعشياً، فقد جاء عن رسول الله ÷