خمسون خطبة للجمع والأعياد،

لا يوجد (معاصر)

[بعض منافع العقل]

صفحة 128 - الجزء 1

  في ملكوت السموات والأرض، وفي نفسه وما حوله ليحصل على معرفة الله حق المعرفة، وليدرك وجود صانعه، وليعرف المنعم المتفضل فيؤدي شكره، ثم إن الإنسان بواسطة هذا العقل الجبار يستطيع أن يتتبع ويستقرء أسرار الطبيعة، ويستخرج الكنوز والمعادن فيستفيد منها كما أراد الله له ذلك، ويستطيع بهذا العقل العجيب أن يعرف واجبه الإنساني، من استعمال العدل مع سائر أبناء جنسه وغيرهم، حيث أرشده العقل إلى معرفة قبح الظلم وحسن العدل، وإلى أن السعادة الحقيقة لا تحصل ولن تحصل إلا بالعدل في معاملة الآخرين، وإلى تجنب الظلم والجور على الإطلاق، ويستطيع الإنسان بهذا العقل أيضاً أن يعرف كافة الواجبات العقلية كشكر المنعم وبر الوالدين وصلة الأرحام وتجنب الآثام، وأن يقبل الواجبات الشرعية، وأن يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وأنه لا يصحبه إلى الآخرة إلا عمله الذي قَدّمه لذلك المنزل، ولما بعده من الأهوال التي ذِكْرُها فضلاً عن مشاهدتها مذهل، يوم يبرز ذلكم الجد الصارم والهول القاصم، يوم يتنزل غضب الله الجبار الحاكم، وأخذه الشديد الحاسم، {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ}⁣[الحاقة: ١٨]، حين يعرض أولياء الله والفرحة تملأ جوانحهم، والسرور قد غشيهم، فيهتفون أمام الجموع العظيمة المحتشدة في يوم العرض الأكبر، حين يؤتون كتبهم بأيمانهم يهتفون قائلين: {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ ١٩ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ ٢٠ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ ٢١ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ ٢٢ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ ٢٣ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ ٢٤}⁣[الحاقة: ٢٤]، أما المجرمون العصاة الذين لم يستعملوا عقولهم لما خُلقت له، فإنهم حين يعرضون أمام هذا الحشد العظيم، بل أمام الله وأمام ملائكته وأمام أنبيائه ورسله، وأمام أهل الجمع يعرضون حينذاك مكشوفة أسرارهم مهتوكة أستارُهُم ظاهرة سرائِرُهم، بادية عيوبُهُم لا يملكون أيّ حيطة، ولا يجدون سبيلاً