خمسون خطبة للجمع والأعياد،

لا يوجد (معاصر)

[الطمع والزجر عنه]

صفحة 131 - الجزء 1

  تؤثروا ما يفنى على ما يدوم، فما بلغتم رتبة في الغنى إلا ابتغيتم إليها مراتباً، فوقفوا أنفسكم على مقدار، وعرفوها عواقب هذه الدار. وأمسكوها بزمام القناعة كيلا تقتحم بكم في النار، فحسبها من المال ما أحله الواحد الأحد، وحظها من كل ما في الدنيا ما به قوام الجسد.

  فيا أيها الحاضرون في المجامع، الملقون السمع وأكثرهم غير سامع، مالي أرى قلوباً قد غابت عن القوالب، ونفوساً قد تفرقت بها المذاهب، تركن إلى المخلوقين وتسترزق المرزوقين، ضعف الطالب والمطلوب، فالله تعالى قد ضمن لخلقه الأرزاق، وحث عبيده على الأعمال، وزجرهم عن إقتراف المآثم، ونهاهم عن تطويل الآمال، وزهدهم في العاجل، ووعد بمضاعفة الأجور، والله لا يضيع عمل عامل، وكفى بالله وكيلاً وكفيلاً، وبالقرآن هادياً ودليلاً، تبصرةً لذوي البصائر، وهداية إلى الحق لمن كان يرجو الله واليوم الآخر، فلا يلفينكم الله حيث نهاكم، ولا يغلبنكم على طاعة أوامره هواكم، ولا تقربوا الشهوات فتبيعوا آخرتكم بدنياكم، وتكونوا عن منهج الله مائلين، ولسخطه متعرضين، وتجنبوا الدنيا فهي عند الله مرفوضة، وكيف لا وهي لا تزن عنده جناح بعوضة، أما ترون كيف يبسطها لأعدائه، وكيف يقبضها غالباً عن خلاصة أوليائه، وقد نعتها على لسان خاتم رسله وسيد أنبيائه فقال تعالى في كتابه الذي تدرسون: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ ١٥ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ١٦}⁣[هود]، وقال تعالى تذكيراً لكل عبد منيب: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ ٢٠}⁣[الشورى]، أما نخاف مما في الكتاب مسطوراً حين يقول: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ