[في ذكر مولد الرسول ÷]
  بعثه الله إلى أمته فنظر إليها نظرة الأنبياء إلى أممهم، فرأى مجتمعاً فاسداً وإنسانا قد هانت عليه إنسانيته، يسجد للشجر والحجر، ويعبد الأصنام، ورأى مجتمعاً قد أصبح فيه الجائر قاضياً، والمجرم سعيداً، والصالح محروماً شقياً، ورأى الناس ملتزمين بعادات سيئة فاسدة، تستعجل فناء البشرية، وتسوقها إلى هوة الهلاك، فرأى معاقرة الخمرة إلى حد الإدمان، والفجور إلى حد الإغتصاب، واستلاب الأموال، والملوك قد اتخذوا بلاد الله دولاً وعباد الله خولاً، والأحبار والرهبان قد أصبحوا أرباباً من دون الله، يأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله، ورأى أن كل ناحية من نواحي الحياة تسترعي الإهتمام.
  فقام بأمر الله داعياً إلى الله، ليخرج الناس من عبادة العباد والأحجار، إلى عبادة الواحد القهار، وينقلهم من ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، وينقذهم من جور الشرك إلى عدل الإسلام، يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويحل لهم الطيبات، ويحرم عليهم الخبائث، ويضع عنهم إصرهم، والأغلال التي كانت عليهم، وكان خطابه للنفس البشرية جميعاً وللضمير الإنساني برمته، لم يخص أمة دون غيرها، وكانت الأمة العربية لو عقلت أحق بأن تكون في مقدمة المنضمين إلى هذه الدعوة العظيمة، وأول من يستجيب لها، وبالأخص قبيلة قريش، لأنهم كانوا يشهدون بصدقه وأمانته، ولقد حكّموه في أكبر حادث من حوادث حياتهم المكِّية، التي كانت لولاه ستؤدي بحياة الكثير منهم، فمنحوه أكبر شرف، إذ حكموه في وضع الحجر الأسود في مكانه في البيت العتيق، قبل بعثته، ولقد قالوا له بعد بعثته على لسان عتبة بن ربيعة: إن كنت إنما تريد الرئاسة عقدنا ألويتنا لك وكنت رئيساً ما بقيت، وإن كنت تريد المال جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أغنى قريش، ولكنهم لانحطاطهم وعنادهم كانوا أحق من يبدأ به مهمته الإصلاحية وجهاده العظيم، فقام يدعو إلى الإيمان بالله وحده، فقامت قيامة الجاهلية، وقاتلت في