خمسون خطبة للجمع والأعياد،

لا يوجد (معاصر)

[في ذكر مولد الرسول ÷]

صفحة 175 - الجزء 1

  سبيل الإحتفاظ بجاهليتها وبكبريائها قتال المستميت، وأجلبت على المبعوث العظيم، محمد ÷ بخيلها ورجلها، وقامت بقضها وقضيضها، وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يُراد، وهنا وقع ما تحدث عنه التاريخ من حوادث الإضطهاد والتعذيب.

  كان ذلك آية وعلامة للرسول ÷ بأنه أصاب الجاهلية في صميمها ومقتلها، وثبت ÷ على دعوته ثبوت الراسيات، لا يثنيه أذىً ولا يلويه كيد، ولا يلتفت إلى إغراء، ويقول لعمه إذ بعثه الله: يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري ما تركت هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك في طلبه.

  مكث ثلاث عشرة سنة يدعو إلى الله بكل صراحة لا يلين ولا يستكين، ولا يحابي ولا يداهن، فقامت قريش، وصاحت به من كل جانب، ورموه عن قوس واحدْ، وأضرموا عليه ناراً، ليحولوا بينه وبين أبنائهم وإخوانهم. ولكنه أصبح الإيمان به والإنحياز إليه جدَّ الجِد. فلا يتقدم إليه إلا مخلص هانت عليه نفسه، وعزم على أن يقتحم لأجله النيران. وتقدمت فتية من قريش ومن الموالي همتهم الآخرة وبغيتهم الجنة، وتقدموا إلى النبي بكل أمن واطمئنان، وما زادهم ما نالهم من قريش إلا ثقة وتجلداً. وقالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله، وما زادهم إلا إيماناً وتسليماً، ورسول الله ÷ يغذي أرواحهم بالقرآن ويربي نفوسهم بالإيمان، ويخضعهم لربهم خمس مرات في اليوم والليلة، عن طهارة بدن، وخشوع قلب، وخضوع جسم، وحضور عقل، فيزدادون كل يوم سمو روح ونظافة خلق، وتحريراً من المادات ومقاومة للشهوات، يروض أنفسهم