خمسون خطبة للجمع والأعياد،

لا يوجد (معاصر)

[في الإخلاص والإحسان]

صفحة 19 - الجزء 1

  الكامن في أطواء الصدور، وهو ما لا يطلع عليه إلاّ علام الغيوب، فَعَلى قدر نقاء السريرة، وسعة النفع، تُكتب الأضعاف، وليس ظاهر الإنسان، ولا ظاهر الحياة الدنيا؛ هو الذي يمنحه رضوان الله، فإن الله تبارك وتعالى يُقِبل على عباده المخبتين المخلصين، ويتقبل منهم ما يتقربون به إلى الله، أما ما عدا ذلك من زخارف الدنيا، فلا قيمة له ولا إكتراث به، قال رسول الله ÷: «إن الله لا ينظر إلى أجسامكم، ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم»، وفي الحديث: «إذا كان يوم القيامة، جيء بالدنيا فيميز منها ما كان لله، وما كان لغير الله رمي في نار جهنم»، فمن ربط حياته بهذا الطريق المستقيم، فقد استراح في معاشه، وتأهب لمعاده، فلا يضره ما فقد من أمر دنياه، ولا يحزنه ما سيقدم عليه، قال رسول الله ÷: «من فارق الدنيا على الإخلاص لله وحده لا شريك له وأقام الصلاة وآتى الزكاة فارقها والله عنه راض»، ويدل على هذا قول الله سبحانه وتعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}⁣[البينة: ٤]، والإخلاص لا بد أن يقترن معه الإحسان كما قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ}⁣[النساء: ١٢٥]، وهذا الإحسان يشمل كل خير، فالتقوى من الإحسان كما قال الله : {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ١٥ ءَاخِذِينَ مَا ءَاتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ ١٦ كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ١٧ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ١٨ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ١٩}⁣[الذاريات: ١٩]، والجهاد في سبيل الله من الإحسان، كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}⁣[العنكبوت: ٦٩]،