خمسون خطبة للجمع والأعياد،

لا يوجد (معاصر)

[الصراع بين الحق والباطل]

صفحة 211 - الجزء 1

  صلى الله عليه وعلى آله الأبرار الصادقين الأخيار، الطيبين الأطهار، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.

  عباد الله:

  نتواصى بتقوى الله وطاعته، فإلى متى تماطلون بالأعمال، وتغترون بفسحة الإمهال، تطمعون في بلوغ الآمال، ولاتذكرون هجوم الآجال، وأنتم قرارات سبيل المنايا، وإشارات نيل الرزايا، ما ولدتم فللتراب، وما بنيتم فللخراب، وما جمعتم فللذهاب، وما عملتم ففي كتاب، مدخر ليوم الحساب، فرحم الله امرءاً قدم الحذر، وأمعن النظر، قبل أن يفارق الأوطان، ويعدم الإمكان، ويدرع الأكفان، ويدخل في خبر كان، فاتقوا الله الذي إليه تحشرون. وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون.

  أيها المؤمنون: إن الحق والباطل في صراع مرير وحرب ضروس، لم تهدأ في ماضي، ولن تخمد جمرتها في مستقبل، ولن تكسر شوكتها في حال من الأحوال، صراع قائم بين الحق والباطل، لا يعرف حداً، ولا يختص بلون من الألوان، ولا يخلد إلى سكون أبداً؛ لأنه صراع بين فكرتين متناقضتين، وفكرة النقيض لا تنهزم، وحرب المبادئ قائم أبداً، فمن طبيعة الحق أنه صريح الدعوة مستبين الغاية، مشرق الأساليب، ومن طبيعة الباطل أنه يجنح إلى التمويه في دعوته، والى الإلتواء في مساربه، والى التضليل عن أهدافه، الحق صريح لا لبس عنده في قول، ولا غشاوة على هدف، ولا إنحراف في طريقة، ولا غموض في تدليل، والباطل موارب، لأن دعامته الشك وبيئته الظلمة، وسبيله التلون والمخادعة، وهذه خصائص يحسها الفكر، في نظرته الأولى، إذا حاول تحديد مفهوم الحق والباطل، فكلمة الحق يفهم معنى الثبوت، والثابت من الأمور لا حاجة به إلى التمويه والمخادعة، وكلمة الباطل تدل على معنى الفساد والهدم، والفساد لا يعرف الإستقامة