خمسون خطبة للجمع والأعياد،

لا يوجد (معاصر)

[خطبة في التوحيد]

صفحة 8 - الجزء 1

  طاعته كما قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ}⁣[الحج: ١١] لذلك يجب علينا أن نثبت إيماننا وإيمان أهلينا وأولادنا بالله سبحانه وتعالى، باليقين العقلي المتين، لنصون عقيدتنا عن الإنحراف وعبادة غير الله، فليس في وجود الإنسان قضية أخطر من معرفة الله، لأن بها نجاته من النار، واستقامته في الدنيا، ونحن نعلم أنما نشاهده في هذه الحياة الدنيا من المعاصي لله والتظالم والإنحرافات سببه الجهل بالله وعدم معرفته حق المعرفة، فأول هداية العبد هي معرفة وجود الله ومعرفة صفاته، وعلاقته بخلقه، فمن عرفه حق المعرفة آمن بربه وعبده حق عبادته وعظم في نفسه وصغر المخلوقون في عينه، فمن عرف الله يشعر برضاء في نفسه لأنه يعرف أن له خالقاً رحيماً عادلاً حكيماً يحبه ويرعاه، فإن أصابته في هذه الدنيا ضراء صبر، وإن أصابته سراء شكر، يتجه نحو الله بإخلاص في عبادته ويتحرر من عبادة الشيطان والهوى والنفس، وكل ذلك لأنه يعرف معبوده الذي يتوجه إليه باليقين، ومصداق ذلك كله قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}⁣[فاطر: ٢٨] وقوله تعالى: {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ}⁣[المائدة: ٨٣] فمعرفة الله تؤثر في النفوس الخشية من الله سبحانه وتعالى أينما كان العبد، في معاملته مع الله، ومعاملته مع الناس، يكون الله في نفسه أينما اتجه يحس بمراقبته ومحاسبته فيحول بينه وبين ارتكاب الجرائم، وبين ترك الواجبات، يحجبه من الظلم والتعدي والإنحراف.

  لذلك نجد الله حثّ في القرآن على التفكر في خلقه لتحصل معرفته بالعقل يقيناً فقال جل من قائل: {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ١٧ وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ ١٨ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ ١٩ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ٢٠}⁣[الغاشية: ٢٠]،