(6) - التواضع:
  نَعَمْ: فَاقِدُ التَّوَاضُعِ عَدِيم الإِحْسَاسِ، بَعِيدُ الْمَشَاعِرِ، إِلَى الشَّقَاوَةِ أَقْرَبُ، وَعَنِ السَّعَادَةِ أَبْعَدُ، لاَ يَسْتَحْضِرُ أَنَّ مَوْطِئَ قَدَمِهِ قَدْ وَطَأَة قَبْلَهُ آلاَف الأَقْدَامِ، وَأَنَّ مَنْ بَعْدَهُ فِي الانْتِظَارِ.
  فَاقِدُ التَّوَاضُعِ لاَ عَقْلَ لَهُ، لأَنَّهُ بِعُجْبِهِ وَأَنَفَتِهِ يَرْفَعُ الْخَسِيسَ، وَيَخْفِضُ كُلّ حُرٍّ نَفِيْس، فَهُوَ كَالْبَحْرِ الْخِضَمِّ، يَرْسُبُ فِيهِ الْجَوَاهِرَ وَالدُّرَر النَّفِيسَةِ، وَيَطْفُو فَوْقَهُ الْجِيفَةُ الْخَسِيسَةِ.
  فَاقِدُ التَّوَاضُعِ قَائِدُهُ الْكِبْرُ، وَأُسْتَاذُهُ الْعُجْبُ، فَهُوَ قَبِيحُ النَّفْسِ، ثَقِيلُ الطِّبَاعِ، يَرَى لِنَفْسِهِ الْفَضْلَ عَلَى غَيْرِهِ.
  إِنَّ التَّوَاضُعَ لِلَّهِ تَعَالَى خُلُقٌ يَتَوَلَّدُ مِنْ قَلْبِ عَالِمٍ بِاللَّهِ، سُبْحَانَهُ، وَمَعْرِفَةِ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، وَنُعُوتِ جَلاَلِهِ، وَتَعْظِيمِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَإِجْلاَلِهِ.
  إِنَّ التَّوَاضُعَ هُوَ انْكِسَارُ الْقَلْبِ لِلرَّبِ جَلَّ وَعَلاَ، وَخَفْضُ الْجَنَاحِ، وَالذُّلّ وَالرَّحْمَة لِلْخَلْقِ، فَلاَ يَرَى الْمُتَوَاضِعَ لَهُ عَلَى أَحَدٍ فَضْلاً، وَلاَ يَرَى لَهُ عِنْدَ أَحَدٍ حَقًّا، بَلْ يَرَى الْفَضْلَ لِلنَّاسِ عَلَيْهِ، وَالْحُقُوق لَهُمْ قِبَلَهُ.