[علامات التوبة وحقيقتها ومعناها]
  عليك الندم، والإشفاق حتى لا يخطر ارتكاب الذنب فيما بعد على بالك فتكون كأنك لا تذكره. والله أعلم)(١).
  وأرفع من هذه المنزلة أن يكون التائب لا يرى التوبة؛ وذلك لفرط استيلاء الندم والتذمم والخوف والإشفاق عليه حتى لا يرى نفسه تائبًا، ويشغله عما يرد عليه من (ذلك على أن يُرِيَ نفسه لنفسه توبة)(٢).
  ومصداق ذلك ما يروى عن بعض(٣) السلف الصالحين أنه كان لا يقوم من سجوده إلا لِمَا لا بُدَّ منه حتى أنبتت دموعُه العُشْبَ (وأنه كان يزفر زفرات تحرق ما ينبت من ذلك العشب)(٤) ولن يكون ذلك والله أعلم إلا للحالة التي أشرنا إليها.
  (ويروى أن نوحا # لما قال: {رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي}[هود: ٤٥] أخذته الصيحة حين قال: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْئَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ٤٦}[هود: ٤٦] فخر مغشيا عليه وبقي خمسين ومائة ليلة يبكي وهو يقول: {أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ}[هود: ٤٧]) ألا ترى
(١) ما بين القوسين ساقط من (هـ).
(٢) في (ص) من أن لا يرى نفسه لنفسه توبة.
(٣) في (هـ) ما روي عن داوود # أنه لما واقع الخطيئة بكى أربعين صباحا ساجدا لا يقوم من سجوده.
(٤) ما بين القوسين من (هـ، ص).