رسالة يا بني،

طيب عوض منصور (معاصر)

مقدمة

صفحة 11 - الجزء 1

  وَمَا لَمْ أُسَطِّرهُ لَكَ يَا بُنَيَّ: فَإِنَّمَا حَالَ دُونَهُ شُعُورِي أَنَّهُ مُسْتَقِرٌّ لَدَيْكَ، وَلَمْ يَعُدْ بِحَاجَةٍ إِلَى إِشَارَةٍ، أَوْ شُعُورِي بِأَنَّ غَيْرَهُ احْتَلَّ الْمِسَاحَة دُونَهُ.

  يَا بُنَيَّ: تَحُومُ هَذِهِ الرِّسَالَةُ حَوْلَ الْبِرِّ وَحَقِيقَتِهِ، وَتَرْحَلُ بِكَ إِلَى وَاقِعِ الْمَاضِينَ لِتَرَى نَمَاذِجَ مِنْ ذَلِكَ.

  وَتُعَرِّج عَلَى شُؤْمِ الْعُقُوقِ وَوَبَالِهِ، مُنَبِّهَةٌ عَلَى الْعُقُوقِ فِي الْفِكْرِ وَالْمَنْهَجِ، وَهُوَ نَوْعٌ مُعَاصِرٌ مِنَ الْعُقُوقِ، ثُمَّ تَدْلِفُ بِكَ إِلَى وَصَايَا حَوْلَ الْفِتَنِ وَالشَّهَوَاتِ، وَالاهْتِمَامَات وَالدَّوَافِعِ، مُذَكِّرَة لَكَ بِمَوَاعِظ عَاجِلَةً، حَاكِيَةً لَكَ قِصَّةَ هَذَا الْمُجْتَمَعُ مِمَّا لَمْ تَرَهُ بِعَيْنِكَ وَرَآهُ وَالِدُكَ.

  فَأَرْعِنِي سَمْعَكَ، وَحَكِّمْ عَقْلَكَ، وَقَبْلَ ذَلِكَ مَوَازِين الشَّرْع الْمُطَهَّر.

  يَا بُنَيَّ: هَا أَنْتَ بَلَغْتَ سِنِّ التَّكْلِيفِ، فَأَصْبَحْتَ رَجُلاً مَسْئُولاً عَنْ أَعْمَالِكِ، وَمُحَاسَبٌ مَجْزِيٌّ عَلَيْهَا.

  يَا بُنَيَّ: إِنَّ بُلُوغَكَ يَعْنِي أَنَّكَ أَصْبَحْتَ مُخَاطَبًا بِسَائِرِ التَّكَالِيفِ الشَّرْعِيَّةِ، فَقَدْ جَاوَزْتَ مَرْحَلَةِ الطُّفُولَةِ إِلَى غَيْرِ رَجْعَةٍ، وَدَخَلْتَ بَوَّابَةً جَدِيدَةً إِلَى الْحَيَاةِ، وَآنَ لِي أَنْ أَبُوحَ لَكَ بِحَدِيثٍ طَالَمَا كَانَ يَعتَلِجُ فِي صَدْرِي، ويُكِنُّه فُؤَادِي، كَانَ يَحْبِسُهُ انْتِظَار بُلُوغِكَ مَا بَلَغْتَ الآنَ.