قرناء السوء
  إِشْتَمَلَ هَذَا الْحَدِيث عَلَى الْحَثِّ عَلَى اخْتِيَارِ الأَصْحَابِ الصَّالِحِينَ، وَالتَّحْذِيرِ مِنْ ضِدِّهِمْ.
  وَمَثَّلَ النَّبِيُّ ÷ بِهَذَيْنِ الْمِثَالَيْنِ، مُبَيِّنًا أَنَّ الْجَلِيسَ الصَّالِحَ: جَمِيعَ أَحْوَالِكَ مَعَهُ وَأَنْتَ فِي مَغْنَمٍ وَخَيْرٍ، كَحَامِلِ الْمِسْكِ الَّذِي تَنْتَفِعُ بِمَا مَعَهُ مِنَ الْمِسْكِ: إِمَّا بِهِبَةٍ، أَوْ بِعِوَضٍ وَأَقَلُّ ذَلِكَ: مُدَّة جُلُوسِكَ مَعَهُ، وَأَنْتَ قَرِيرُ الْعَيْنِ، طَيِّبُ النَّفْسِ مُنْشَرِحُ الصَّدْرِ، بِرَائِحَةِ الْمِسْكِ.
  فَالْخَيْرُ الَّذِي يُصِيبُهُ الْعَبْدُ مِنْ جَلِيسِهِ الصَّالِحُ أَبْلَغُ وَأَفْضَلُ مِنَ الْمِسْكِ الأَذْفَرِ، فَإِنَّهُ إِمَّا أَنْ يُعَلِّمَك مَا يَنْفَعُكَ فِي دِينِكَ وَدُنْيَاكَ أَوْ يَهْدِي لَكَ نَصِيحَةً، نَصِيحَةً تَنْفَعُكَ مُدَّةَ حَيَاتِكَ، وَبَعْدَ وَفَاتِكَ، أَوْ يُحَذِّرُكَ مِنَ الإِقَامَةِ عَلَى مَا يَضُرُّكَ، فَيَحُثُّكَ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ، وَبِرِّ الْوَالِدَيْنِ، وَصِلَةِ الأَرْحَامِ، وَيُبَصِّرَكَ بِعُيُوبِ نَفْسِكَ وَيَدْعُوكَ إِلَى مَكَارِمِ الأَخْلاَقِ، وَمَحَاسِنِ الأَعْمَالِ، بِقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ وَحَالِهِ، فَإِنَّ الإِنْسَانَ مَجْبُولٌ عَلَى الاقْتِدَاءِ بِصَاحِبِهِ وَجَلِيسِهِ وَالطِّبَاعُ وَالأَرْوَاحُ جُنُوْدٌ مُجَنَّدَةٌ، يَقُودُ بَعْضُهَا بَعْضًا إِلَى الْخَيْرِ، أَوْ إِلَى الشَّرِّ.