مقدمة
  وَمَعَ مَا كَانَ يَعتَلِجُ فِي صَدْرِي، وَيَدُورُ فِي خَاطِرِي، فَقَدْ قَلَّبْتُ الطَّرْفَ، وَقَرَأْتُ مَا سَطَّرهُ بَعْض الأَوَائِلِ وَالأَوَاخِر، مِنْ رَسَائِلِ لأَبْنَائِهِمْ، وَوَصَايَا لِفَلَذَاتِ أَكْبَادِهِمْ، فَضَمَّنْتُ وَصِيَّتِي بَعْضَ مَا قَالُوهُ، وَزَيَّنتُهَا بِبَعْضِ مَا صَاغُوهُ.
  فَهَلْ أَنْتَ مُصْغٍ لِي سَمْعَكَ.؟
  وَفَاتِحٍ لِي فُؤَادَكَ؟ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَنْفَعَكَ بِبَعْضِ مَا تَسْمَعُ.؟
  يَا بُنَيَّ: لَوْ تَعْلَمُ كَمْ كَانَ سُرُورِي وَأُمِّكَ حِيْنَ بَلَغَنَا نَبَأَ حَمْلهَا بِكَ، وَكُنَّا نَتَرَدَّدُ عَلَى الطَّبِيْبِ لِلْفَحْصِ وَالْمُتَابَعَةِ.
  وَحِيْنَ كَانَتْ تِلْكَ السَّاعَة الَّتِي خَرَجْت فِيهَا إِلَى الدُّنْيَا.
  لَمْ تَكُنْ تَدْرِي كَمْ كَانَ مَبْلَغ سُرُورِنَا، وَبَهْجَتِنَا.
  لَقَدْ كَانَتْ آمَالنَا مَعْقُودَة عَلَيْكَ، وَكُنَّا نَنْتَظِرُ تِلْكَ السَّاعَة الَّتِي تَبْلُغُ فِيهَا السَّعْيَ، كَانَتْ أُمُّكَ تُرَدِّدُ فِي نَفْسِهَا، وَتُنَاجِيْكَ وَأَنْتَ صَغِيرٌ رَضِيعٌ تُؤَمِّلُ الآمَالَ الْعَرِيضَةِ، وَتَتَمَنَّى الأُمْنِيَاتِ الْغَالِيَةِ أَنْ تَبْلُغَ مَا تَبْلُغ.
  وكَانَ وَالِدُكَ لاَ يَقِلُّ عَنْهَا حَالاً، إِلاَّ أَنَّ خَوَاطِرَهُ كَانَتْ حَبِيسَة الْفُؤَادِ، يَعْتَلِجُ فِي صُورَةِ أُمْنِيات .....