حقيقة التقوى:
  وَيَنْبَغِي أَنْ تَعْلَمَ أَنَّهُ مَا مِنْ خَيْرٍ إِلاَّ وَعَلَّقَهُ رَبُّ الْعِزَّةِ سُبْحَانَهُ بِالتَّقْوَى ..
  فَتَقْوَى اللَّهِ هِيَ: جِمَاعُ الأَمْرِ، وَهِيَ أَسَاسُ النَّجَاحِ، وَالفَلاَحِ وَهِيَ: الْعِدَّةُ فِي الشَّدَائِدِ، وَالْعَوْنُ فِي الْمُلِمَّاتِ، وَهِيَ مَهْبِطُ الرَّوْح وَالطُّمَأْنِينَةُ، وَمُتَنَزَّلُ الصَّبْرِ وَالسَّكِينَةِ، وَهِيَ مِرْقَاةُ الْعِزِّ، وَمِعْرَاجُ السُّمُوِّ إِلَى السَّمَاءِ، وَهِيَ الَّتِي تُثبِّتُ الأَقْدَامَ فِي الْمَزَالِقِ، وَتَرْبِطُ عَلَى الْقُلُوبِ فِي الْفِتَنِ.
  فَالْزَمْهَا، وَصَيِّرْهَا لِنَفْسِكَ رَأْس مَالٍ، فَهِيَ وَاللَّهِ خَيْرُ لِبَاسٍ تَزَيَّنْتَ بِهِ، وَخَيْرُ زَادٍ، وَأَفْضَلُ زَادٍ، تَتَزَوَّدْ بِهِ، وَخَيْرُ بِضَاعَةٍ، مَلَكَتْهَا يَدَاكَ ..
  قَالَ الإِمَامُ، عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ #: فِي بَعْضِ خُطَبِهِ: «فَمَنْ أَخَذَ بِالتَّقْوَى عَزَبَتْ عَنْهُ الشَّدَائِدُ(١) بَعْدَ دُنُوِّهَا وَاحْلَوْلَتْ لَهُ الأُمُورُ بَعْدَ مَرَارَتِهَا(٢)، وَانْفَرَجَتْ عَنْهُ الأَمْوَاجُ بَعْدَ تَرَاكُمِهَا(٣)، وَأَسْهَلَتْ لَهُ الصِّعَابُ(٤) بَعْدَ إِنْصَابِهَا(٥)، وَهَطَلَتْ
(١) قَوْلُهُ: «عَزَبَتْ عَنْهُ الشَّدَائِدُ»، أَيْ: زَالَتْ، وَذَهَبَتْ ..
(٢) قَوْلُهُ: «وَاحْلَوْلَتْ لَهُ الأُمُورُ بَعْدَ مَرَارَتِهَا»، أَيْ: صَارَتْ حُلْوَةٌ ...
(٣) قَوْلُهُ: «وَانْفَرَجَتْ عَنْهُ الأَمْوَاجُ بَعْدَ تَرَاكُمِهَا»، أَيْ: شَبَّهَ كَثْرَةَ الشُّبَهِ، وَمُوَاقَعَةِ الْمَعَاصِي بِالأَمْوَاجِ الْعَظِيمَةِ إِذَا تَرَاكَمَتْ، فَإِذَا حَصَلَتِ التَّقْوَى زَالَتْ هَذِهِ الأُمُور كُلّهَا.
(٤) قَوْلُهُ: «وَأَسْهَلَتْ لَهُ الصِّعَابُ»، أَيْ: وَصَارَتِ الأُمُور الصَّعْبَة سَهْلَةٌ يَسْهُلُ فِعْلُهَا، وَيَقْرُبُ أَخْذُهَا عَلَى سُهُولَةٍ ....
(٥) قَوْلُهُ: «بَعْدَ إِنْصَابِهَا»، أَيْ: بَعْدَ إِتعَابِهَا لَكُمْ، أَنْصَبَتْهُ أَتْعَبْتُهُ ...