الوصية الخالدة وصية الإمام علي # لابنه الحسن $
  وَشَكَوْتَ إِلَيْهِ هُمُومَك، وَاسْتَكْشَفْتَهُ كُرُوبَكَ(١)، وَاسْتَعَنْتَهُ عَلَى أُمُورِكَ، وَسَأَلْتَهُ مِنْ خَزَائِنِ رَحْمَتِهِ مَا لاَ يَقْدِرُ عَلَى إِعْطَائِهِ غيْرُهُ، مِنْ زِيَادَةِ الأَعْمَارِ، وَصِحَّةِ الأَبْدَانِ، وَسَعَةِ الأَرْزَاقِ.
  ثُمَّ جَعَلَ فِي يَدَيْكَ مَفاتِيحَ خَزَائِنِهِ بِمَا أَذِنَ لَكَ فِيهِ مِنْ مَسْأَلتِهِ فَمَتَى شِئْتَ اسْتَفْتَحْتَ بِالدُّعَاءِ أَبْوَابَ نِعَمِهِ، وَاسْتَمْطَرْتَ شآبِيبَ(٢) رَحْمَتِهِ، فَلاَ يُقَنِّطَنَّكَ(٣) إِبْطَاءُ إِجَابَتِهِ، فَإِنَّ الْعَطِيَّةَ عَلَى قَدْرِ النِّيَّةِ، وَرُبَّمَا أُخِّرَتْ عَنْكَ الإِجَابَةُ، لِيَكُونَ ذلِكَ أَعْظمَ لأَجْرِ السَّائِلِ، وَأَجْزَلَ لِعَطَاءِ الآمِلِ، وَرُبَّمَا سَأَلْتَ الشَّيْءَ فَلاَ تُؤتاهُ وَأُوتِيتَ خَيْراً مِنْهُ عَاجلاً أَوْ آجِلاً، أَوْ صُرِفَ عَنْكَ لِمَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ، فَلَرُبَّ أَمْر قَدْ طَلَبْتَهُ فِيهِ هَلاَكُ دِينِكَ لَوْ أُوتِيتَهُ، فَلْتَكُنْ مَسَأَلَتُكَ فِيَما يَبْقَى لَكَ جَمَالُهُ، وَيُنْفَى عَنْكَ وَبَالُهُ، فَالْمَالُ لاَ يَبْقَى لَكَ وَلاَ تَبْقَى لَهُ.
  وَاعْلَمْ: أَنَّكَ إِنَّمَا خُلِقْتَ لِلآخِرَةِ لاَ لِلدُّنْيَا، وَلِلْفَنَاءِ لاَ لِلْبَقَاءِ وَلِلْمَوْت لاَ لِلْحَيَاةِ، وَأَنَّكَ فِي مَنْزِلِ قُلْعَة(٤)، وَدَارِ بُلْغَة(٥)، وَطرِيق
(١) اسْتَكْشَفْته كروبك: طلبت مِنْهُ كشفها وإزالتها عَنْكَ.
(٢) شَآبِيب: الشُّؤْبوبُ: واحد الشآبيب، وهُوَ الدُّفْعَةُ الواحدة مِنَ الْمَطَرِ، وما أشبه رحمة الله بالمطر ينزل عَلَى الأَرْضِ الموات فيحييها.
(٣) القنوط: اليأس مِنَ الرَّحْمَةِ ..
(٤) أَيْ: تَحَوُّلٍ وارْتِحال ...
(٥) البُلْغَةُ: الكفاية وما يتبلغ بِهِ مِنْ الْعَيْشِ.