عهد آخر
عهد آخر
  
  حسبنا الله وحده، وهذه الولاية أمانة، عَهِدَ إليه فيها إمامه عهدا، عليه القيام به والعمل بما تضمنه، وهو أنه أمره بتقوى الله وإيثار طاعته، على جميع الحالات في الغضب والرضى، والسر والجهر، والقرب والبعد، وأن يجعل ذلك أساس أمره، والأصل الذي يرجع إليه.
  وبعد ذلك بالنظر في أمور الجهات، والمعرفة بأحوالها على التفصيل، وجباية خراجها، فما كان عشريا أخذ منه العشر، من قليل ما يخرج من الأرض وكثيرة، إما خرصا يتحرى فيه خارصه موافقة المقصود من غير زيادة ولا نقصان، بحيث أن صاحب المال إن تصور الزيادة عليه كان الخارص بأخذه مما خرص طيبة بذلك نفسه، ويسلَّم ما يخص صاحب المال، وإما قسمة تمييز حق الله تعالى من حق غيره، من غير إضرار بصاحب المال، ولا تفويت لما وجب إخراجه لله تعالى من الحق، ويولى ذلك من يثق به من أهل الديانة والأمانة والمعرفة بمواقع ما ذكرناه، فكم من أمين! ورُبَّ وَرِعٍ يعجز عن استيفاء ما وجب ويضعف عن ذلك، وإن عدم صاحب الورع والدين لم تعدل عن صاحب الأمانة، لأنها الأصل فيما ذكرناه، لأن كثيرا من ذلك بمنزلة الوكالة، لا يعتبر فيها العدالة، وإنما يعتبر فيها أن يكون صاحبها أمينا فيما وُكَّل فيه، كذلك ينبغي لمن أُمر بقبض الحقوق أن يكون أمينا في القبض