يزيد بن معاوية (ت 64 هـ):
  ولما ندب الناس إلى الخروج إلى ابن الزبير هاب الناس الحرمين الشريفين، فأجزل العطاء، فتبادر عبيد الدنيا، فنهض مع مسلم بن عقبة المري - من مرة غطفان الذي سمي مسرفاً بعد ذلك - اثنا عشر ألف مقاتل، غير الأتباع.
  وكان عبد الملك أحزم القوم، فكان لا يسكر في كل شهر إلا مرة(١)، بحيث لا يعقل السماء من الأرض، ويقول: إنما أقصد إشراق الذهن، وتقوية الحفظ، وتصفية موضع الفكر، غير أنه كان إذا بلغ آخر حد السُّكر أفرغ ما كان في بدنه حتى لا يبقى في أعضائه شيءٌ فيصبح خفيف البدن، ذكي الذهن، نشط النفس، قوي المنة.
  وكان الوليد بن عبد الملك يشرب يوماً ويدع يوماً.
  وكان سليمان يشرب في كل ثلاث ليال ليلة.
  ولم يشرب عمر بن عبد العزيز إلا الماء، ولا طن في أذنه نغمة غِناءٍ حتى لقي الله.
  وكان هشام يسكر في كل أسبوع مرة.
  وكان يزيد بن عبد الملك والوليد بن يزيد يدمنان الشرب على ما حكينا من يزيد بن معاوية إمام هؤلاء الأئمة وأتباعهم من ضُلَّال متفقهة الأمة، وكان لهما اختصاص بالتغاري في اللهو، وللوليد خاصة إظهار الكفر والتصريح به ورفع الحشمة في بابه، فمن ذلك قوله(٢):
  تَلَعَّبَ بالبريَّة هاشميٌّ ... بلا وحي أتاه ولا كتاب
(١) ذكر هذا الكلام في شربهم للخمر من أولهم إلى آخرهم الجاحظ في كتابه التاج في أخلاق الملوك (١/ ١٥١، وما بعدها)، وبعضه في محاضرات الأدباء (١/ ٨١١).
(٢) مروج الذهب (٣/ ٢١٦)، شذرات الذهب (٢/ ١١١)، شمس العلوم (٣/ ١٨٩١) وكلها بتغيير في الألفاظ.