كيفية بداية الدولة العباسية:
  الاتصال بأبي مسلم إذ وجَّه إليه من أطلعه على نوايا أبي سلمة، فأرسل إليه وفداً من زعماء الدعوة بخراسان، سلموا عليه بالخلافة، واضطر أبو سلمة اضطراراً أن يعلن تأييده له، واتجه أبو العبّاس توّاً إلى المسجد الجامع في الكوفة، فبايعه الناس، وارتقى المنبر، فاشرأبت إليه الأعناق، وأصغت إليه الآذان، فإذا هو يحتج بآي القرآن الكريم على أن بيته العبّاسي أحق بالخلافة من بيت العلويِّين، وكان متوعكاً فانقطع عن متابعة الكلام، وتابعه عمه داوود متحدثاً باسمه ومؤكداً فضل الخُراسانيين في تحرير الأُمَّة من نير الأمويين، ومن حكمهم الباغي الفاسد، ولم يطمئن أبو العباس لمقامه في الكوفة، دار العلويين من قديم، فتحول عنها إلى معسكر الخراسانيين، ثم فارقه إلى الحيرة، وأخذ في بناء الهاشمية لتكون مقر سلطانه، وأغرى أبا مسلم الخراساني بأبي سلمة فدس إليه من قتله(١).
  وكانت الجيوش قد اتجهت لمتابعة حرب مروان بن محمد بقيادة عبد الله بن علي عم السفَّاح، فالتقت به على الزاب شمالي العراق، وهزمته وجيشه هزيمة ساحقة، فولى مع بعض فلول جيشه حتى حرَّان وتركها إلى نهر أبي فُطْرس بفلسطين والأردن، وتبعه عبد الله بن علي، وتلقاه بلدان الشام بالتهليل والترحيب إلاّ ما كان
(١) انظر بداية الدولة العباسية في: الكامل في التاريخ (٥/ ٦٣، وما بعدها) تجد كل ما ذكر هنا بشيء من التفصيل واختلاف العبارات، وذكر كيفية قتل أبي سلمة ص (٢٨)، وذكره في الطبري (٧/ ٤٤٩، وقبلها وبعدها)، البدء والتاريخ (٦/ ٨٦، وما بعدها)، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم (٧/ ٣١٣، وما بعدها)، وهذه الأحداث مذكورة في كثير من مصادر التاريخ بتفاصيل وافية ودقيقة وقصة أبي سلمة - وزير آل محمد - وأنه كان ينتظر أحد العلويين ليبايعه ثم تآمرهم به وقتله، ثم من بعده قتلوا أبا مسلم الخراساني وغير ذلك مما سيأتي في كتابنا هذا من قصص فتكهم بالبيت الأموي مذكورة في هذه المصادر التي ذكرناها آنفاً وغيرها.