كيفية بداية الدولة العباسية:
  من دمشق ولكنها سرعان ما انقادت له، وبرحها إلى نهر أبي فُطْرس، فإذا مروان قد آوى إلى مصر، فأرسل وراءه أخاه صالحاً فما زال يفر أمامه من بلدة إلى بلدة حتى لقي حتفه في بوصير(١) من بلدان الصعيد لأواخر سنة ١٣٢ هـ، وكان لا يزال يزيد بن عمر بن هبيرة يقاوم في واسط، وقد ضرب من حوله الحصار حتى إذا جاءه نعي مروان بن محمد أخذ يفاوض العباسيين في التسليم لهم، وسرعان ما عقدوا له أماناً فتح على أثره أبواب واسِط، غير أنهم عادوا ففتكوا به وبكثيرين ممن كانوا معه.
  وتذكر كتب التواريخ والأدب أن العباسيين مضوا يفتكون بأفراد البيت الأموي فتكاً ذريعاً يريدون أن يستأصلوهم من الأرض استئصالاً، وحتى موتاهم لم يفلتوا من هذا الثأر الصارم فقد نبشت قبور خلفائهم ما عدا قبري معاوية بن يزيد وعمر بن عبد العزيز، وحرقت بقايا جثثهم بالنار تحريقاً(٢).
  وقد كان هذا البطش الذي لا يبقي ولا يذر دافعاً لعبد الرحمن بن هشام بن عبد الملك بن مروان إلى أن يلوذ بالفرار إلى الأندلس حيث أسس بها دولة أموية جديدة استمرت نحو ثلاثمائة عام(٣).
(١) الكامل (٥/ ١٨).
(٢) الكامل (٥/ ٢٣)، أنساب الأشراف (٤/ ١٠٤) تاريخ دمشق (٥٣/ ١٢٧) البداية والنهاية (١٠/ ٤٥) مرآة الزمان (١١/ ٤٤٦) المختصر في أخبار البشر (١/ ٢١٢) تاريخ ابن الوردي (١/ ١٨٣) تاريخ ابن خلدون (٣/ ١٦٦) وجميعهم ذكروا أنه تم نبش قبر معاوية بن أبي سفيان فلم يوجد في القبر إلا خيطا أسود مثل الهباء، ووُجد هشام صحيحاً لم يبل منه إلا أرنبة أنفه فضرب بالسياط وهو ميت وصُلب أياماً ثم أحرق بالنار وذر في الريح.
(٣) عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان ويسمى عبد الرحمن الداخل، ولد في دمشق سنة ١١٣ هـ، وتوفي بقرطبة ودفن في قصرها سنة ١٧٢ هـ، مؤسس الدولة الأموية =