تأريخ أسود وصورة من ظلم بني أمية وبني العباس
  وهذا في حين أنك لا تجد هذه الشرائع في قوانين الصهاينة اليوم، ولا القوانين الشيوعية الملحدة، ولا العلمانية الكافرة، وإن جاء شيءٌ يقارب بعض ذلك فإنما يكون على سبيل الخفية أو الندرة، وربما عاقبت القوانين الوضعية فاعل ذلك، وأخذت بعنقه إلى المحاكم الدولية حسب الظاهر المتعارف عليه بين أرباب دول الكفر الكبرى في هذا الزمان.
  وأني لأعجب من كثير ممن ينتمي إلى الإسلام، ويظهر الانقطاع إلى الله والورع والزهد، وإذا ذكرت عنده ظلم معاوية وبغي يزيد وجور زياد بن أبيه، وتعسف الحجاج، والسمل والجدع والقتل الذي انتهجه بنو العباس ونحو ذلك؛ يزبد ويرعد، وتنتفخ أوداجه، وتحملق عيناه، ويفقد توازنه غضباً لأولئك البغاة؛ بل إنه ليكاد يتميز غيظاً عليك! وذلك لأنه يرى أنك انتهكت حرمةً عظيمة، وارتكبت جريمة شنيعة، بها خرجت من دائرة الإسلام وحضيرة الإيمان، وصرت بذلك زنديقاً ورافضياً وشيعياً.
  وكأني بقارئهم كذلك إذا قرأ ما كتبنا! فنقول له مسبقاً: مهلاً مهلاً، إذا كان ما ارتكبه معاوية غيرَ ضائر له في دينه وآخرته وقد سفك من دماء المسلمين ما لا يعلمه إلاَّ الله، وقاتلَ الخليفةَ العادل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب #، وبغى عليه، وقتل الكثير من الصحابة من أهل بدر ومن أهل بيعة الرضوان، وفعل العظائم وارتكب الجرائم الموبقات التي ملأ الدنيا نَتَنُهَا، وشوَّه صحائفَ التاريخ ذكرُها وشؤمُها وقبحُها - إذا كان ذلك كله الذي فعله معاوية غير ضائر له في دينه وآخرته؟! فكيف يضر الكاتبَ كتابتُها، أو يضر المتكلمَ ذكرُها؟ وكيف يختل إيمانه بروايتها، ولا يختل إيمانُ فاعلها الأثيم؟!