(فصل: في ذكر العقل)
  جارياً مجرى السمع والبصر وما أشبههما مما يعلم ولا يتوهم ومع ذلك فلو صح لما جاز أن يتفاضل العقلاء في العقل لأجل كون تلك العلوم فيهم على سواء والمعلوم خلاف ذلك، ولأن العلوم الضرورية أكثر من عشرة، وتخصيصهم لبعض منها دون غيره دعوى مبتدعة لا دليل على صحتها من عقل ولا سمع ولا قال بذلك أحد قبلهم ولا بعدهم إلا من قلدهم.
  (قالوا) أي: المعتزلة (لو كان) العقل (غيرها) أي: غير الضرورية (لصح وجودها) أي: الضرورية (مع عدمه) أي: مع عدم العقل (وعدمها) أي: الضرورية (مع وجوده) أي: مع وجود العقل لتغايرهما واختلافهما.
  قال #: (قلنا: لا يلزم صحة وجودها) أي: الضرورية (مع عدمه) أي: مع عدم العقل؛ (إذ هي) أي: الضرورية (إدراك مخصوص) أي: نوع من الإدراكات التي هي بضرورة العقل (لا يحصل) ذلك الإدراك (إلا به) أي: بالعقل وذلك (كالمشاهدة) للمرئي فهي (إدراك مخصوص لا يحصل) ذلك الإدراك (إلا بمعنى ركَّبه الله في الحدق) أي: في سواد العيون المبصرة (كما يأتي) بيانه (إن شاء الله تعالى) في فصل: والله سميع بصير.
  وكما أن السمع بمعنى ركبه الله في الصماخين والشم بمعنى ركبه الله في المنخرين واللمس بمعنى ركبه الله في العضو الملامس والذوق بمعنى ركبه الله في اللسان وهذه الحواس الخمس أجسام وإدراكها بأعراض حالة فيها ومحسوساتها مسموع ومبصر ومشموم وملموس ومذوق وهي أجسام وأعراض فالأعراض الأصوات والألوان والطعوم والروائح والحرارة والبرودة والآلام.
  والأجسام محال هذه الأعراض وهي المصوت والمبصر والمطعوم والمشموم والملموس، وجميع هذه الحواس مؤدية إلى القلب واللسان ترجمان له، وفيها من بدائع الحكمة وغرائب الصنعة ما يبهر اللبيب ويحار فيه الألمعي الأريب فتبارك الله أحسن الخالقين. ونحو ذلك.