(فصل: في ذكر العقل)
  (وأما ذهابها) أي: الضرورية (غالباً) أي: في أغلب الأحوال (عند نحو التفكر) في أي: شيء من أمر الدين أو الدنيا كالسهو والذهول (مع بقائه) أي: مع بقاء العقل (فملتزَمٌ) أي: نحن نلتزمه ولا نخالف فيه ولكنه (غيرُ قادح) علينا فيما ذكرناه من أن العقل عرض كما تقدم إذ ذلك (كذهاب المشاهدة) أي: ذهاب إدراك الشيء المرئي (عند غيبوبة المشاهَد) أي: المرئي (مع بقاء المعنى) الذي يدرك به (في الحدق)، وكذهاب الشم عند غيبوبة المشموم، وذهاب السمع عند غيبوبة المسموع، وذهاب الذوق عند غيبوبة المذوق، وذهاب اللمس عند غيبوبة الملموس، مع بقاء المعنى الذي يحصل به الإدراك لهذه الأشياء في هذه الحواس الخمس، والحاصل أن الإدراك غير الشيء الذي يدرك به وغير المدرَك بفتح الراء.
  إن قيل: قد ثبت بما دللتم أن العقل غير الضرورية وأنه معنى في القلب يخلقه الله يزيد بزيادة الإنسان وكبره فما آية تمامه في الإنسان وتمام كونه حجة عليه لأنه لا خلاف في أن الأطفال لا تتم عقولهم في المهد.
  فالجواب والله الموفق: إن آية تمامه في الإنسان معرفة استحسان الحسن واستقباح القبيح، فمتى عرف الإنسان ذلك تمت حجة الله عليه؛ لأن ذلك هو المقصود من فطرة العقل، والأغلب أن يكون ذلك وقت بلوغ الإنسان كما قال الإمام القاسم(١) بن علي العياني # في جوابه لمن سأله: وسألت عن الصبي أمعه تركب العقل منذ خلق، أو يكون بلا عقل حتى يكبر؟
  الجواب: اعلم وفقك الله أن العقل كالقوة وهما عرضان من الأعراض
(١) هو الإمام المنصور بالله أبو الحسين القاسم بن علي بن عبدالله بن محمد بن الإمام القاسم بن إبراهيم $. قام ببلاد خثعم، ثم أنفذ رسله إلى اليمن سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة. من مؤلفاته: كتاب الأدلة من القرآن على توحيد الله، وكتاب التوحيد، وكتاب التجريد، وكتاب التنبيه. وفاته: سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة. مشهده: بعيان ببلاد سفيان. (التحف للإمام الحجة مجدالدين بن محمد المؤيدي # باختصار).