(فصل): [القرآن كلام الله تعالى وخلقه ووحيه وتنزيله]
  مسموع وهو معلوم ضرورة فلو كان الكلام أمراً زائداً على الحروف والأصوات المسموعة لجاز انفصال أحدهما عن الآخر؛ لأنه لو كان بينهما تعلق من وجه معقول يمنع من انفصال أحدهما عن الآخر لم يكن بد من أن ينفصل في العلم أحدهما عن الآخر فيقدم العلم بأحدهما قبل العلم بالآخر ليصح كون أحدهما ليس هو الآخر فإنه لا يُفصَل بين الغيرين إلا على هذا الحد سواء كان بينهما تعلق الإيجاب أو الصحة.
  ألا ترى أنه لا بد من تقدم العلم بالمعلول على العلة ليصح كونه سواها أو العلة على المعلول ليصح كونها سواه فلو كان الكلام ليس هو الصوت المنتظم أو الحرف المنتظم من الأصوات لصح وجود العلم بالكلام من دون ذلك أو بالأصوات المنتظمة حروفاً من دون الكلام وكل ذلك محال.
  قال: وحجة أبي علي أنه قد ثبت أن الصوت يوصف بما لا يتصف به الحروف المنظومة التي هي الكلام فيقال: صوت صافي ورقيق وجهير ودقيق ويختلف بحسب المحالّ نحو: صوت الطشت بخلاف صوت الحجر عند الصكة، وكذلك أصوات العيدان مختلفة وذلك لا يصح في الحروف المتماثلة المنتظمة التي تسمى كلاماً فثبت أن الصوت غير الكلام.
  قلت: ويمكن أن يقال: الصوت جنس عام لما يسمى كلاماً وغيره كصوت الطشت ولا يلزم من ذلك أن يكون الكلام غير صوت وإن كان الصوت غير الكلام كما لا يلزم أن يكون الإنسان غير حيوان وإن كان الحيوان غير الإنسان وذلك واضح.
  قال العنسي ¦: ويمكن أن يحتج لأبي علي وأبي الهذيل بأنه يعقل الصوت من دون الحروف المنتظمة نحو أصوات العيدان وأصوات الطيور وصرير الباب وصوت الطشت فإن ذلك ليس بكلام ويعقل الواحد منا وجود الحروف المنتظمة التي هي كلام من دون الصوت وهو ما يسمى من القراءة مخافتة فإنه