(باب: والشريعة)
  الحق فيها ليس بواحد فهو مما لا تقبله العقول ولعل في الرواية عنه بذلك وهماً وأنه إنما أراد بذلك أن الظن يكفي فيها.
  قال الإمام يحيى # في الشامل: ذهب بعض منكري النظر إلى أن تحصيل المعارف الدينية إنما يكون بالظن.
  قال: وعلى هذا يحمل ما يحكى عن عبيدالله بن الحسن العنبري، فإنه حكي عنه القول بأن أهل القبلة مصيبون في جميع معتقداتهم في الديانة.
  قال: وهذا المذهب الذي حكيناه عنه يمكن تنزيله على وجوه أربعة:
  أولها: أن يكون غرضه أنهم عالمون كلهم وأن معتقد كل واحد منهم على ما اعتقد وهذا ظاهر الفساد فإن المختلفين في أنه تعالى جسم وأنه ليس بجسم، وأنه يُرى وأنه لا يُرى، وأنه فاعل للقبائح وأنه غير فاعل لها - يستحيل فيهم أن يكونوا عالمين بها؛ لأن النقيضين لا يمكن صدقهما ويستحيل في الشيء الواحد أن يكون ثابتاً منتفياً.
  وثانيها: أن يريد أن كل واحد منهم مصيب فيما اعتقده وإن كان أحدهم معتقده على ما هو به والآخر بخلافه فهذا أيضاً خطأ لأن أحد الاعتقادين إذا كان لا على ما هو به فهو جهل والجهل قبيح ويستحيل التكليف بما يكون فعله قبيحاً من الجهل وغيره.
  وثالثها: أن يكون مقصده أن اعتقاداتهم كلها حسنة وأن كل واحد منهم معذور فيما فعله وهو أيضاً خطأ لأن الجهل لا يكون حسناً ولا يعذر أحد في فعله.
  ورابعها: أن يريد أنهم لم يكلفوا العلم بهذه الأصول ولا الاعتقاد لها وإنما كلفوا ظنها وليس المعتبر في الظن كون المظنون على ما هو به أو لا على ما هو به وإنما المعتبر فيه حصول الأمارة والأمارة حاصلة لكل واحد منهم بحسب ما ينقدح من أدلتهم التي ينظرون فيها فلهذا حكم عليهم بأنهم كلهم مصيبون فيما ذهبوا إليه من أمر الديانة.