(باب: والشريعة)
  وإنما اختص ذلك البعض بتوفيق الله لهم لإصابة الحق (حيث نور قلوبهم لما أطاعوه) بامتثال أوامره والانتهاء عن مناهيه وذلك سبب في زيادة التنوير؛ (لقوله تعالى: {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا}[الأنفال: ٢٩]) أي تنويراً في قلوبكم بسبب التقوى تفروقن به بين الحق والباطل (كما مر) ذكره في غير موضع.
  (وذلك) أي التوفيق لإصابة الحق بسبب التنوير الحاصل من الله سبحانه بسبب العمل بطاعته والانتهاء عن معصيته هو (معنى قوله تعالى: {فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ}) أي نور قلوبهم ففهموا الحق الذي وقع الاختلاف فيه ({بِإِذْنِهِ}[البقرة: ٢١٣]) أي بإرادته وهدايته لهم ففي هذه الآية الكريمة دليل واضح على أن الحق الذي هو دين الله وصراطه المستقيم الذي أمر به عباده وشرعه لهم واحد مع كل الأنبياء لا اختلاف فيه في دين كل نبي، ومن جملة الأديان والشرائع بل من أشرفها وأعظمها دين نبينا محمد ÷ وشريعته التي أصلها وأساسها القرآن الكريم وقد نص سبحانه وتعالى فيه وصرح ونبه ولوح بأن عترة النبي ÷ هي الموفقة لإصابة الحق والمطهرة من رجس الآثام وأقوال الباطل فمن خالفهم فهو مبطل قطعاً لما مر من الأدلة.
  (قالوا): أي المخالفون لنا الذين قالوا: لا حكم لله تعالى في الظني معين قبل الاجتهاد: (قال) الله (تعالى: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ}[الحشر: ٥]) فدلت هذه الآية على أن كل اجتهاد حق كما أن قطع اللينة حق وتركها حق.
  قال بعضهم: وهذا دليل على جواز الاجتهاد بحضرة الرسول ÷ والوحي ينزل عليه فكيف به في غير حضرته، واللينة النخلة لنوع من أنواع التمر، قال الشاعر:
  غرسوا لينها بمجرى معين ... ثم حفوا النخيل بالآجام