(باب: والشريعة)
  قال: وكذلك قال الله في موضع آخر: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ٣٩}[الرعد]، يقول الله سبحانه: يمحو الله ما يشاء من فرضه وحكمه في آياته بالنسخ له ويثبت ما يشاء مما حكم به في الآيات أخرى فلا ينسخها ولا يبدل فرضها وعنده أم الكتاب أي أصل ذلك وجملته مثبتاً في علمه لا يعزب عنه شيء مما نسخ ولا مما لم ينسخ، ولا مما وقع الحكم به ومضى ولا مما لم يقع تعبد به ولم يمض. انتهى.
  قلت: ومع ذلك فإنه تعالى لا يرفع حكماً ويبدل غيره إلا لحكمة ومصلحة راجعة إلى العباد؛ لأن الله سبحانه هو الغني.
  (ولكون غيرها) أي غير العبادات من الشرائع (مصالح) للمكلفين (وهي تختلف باختلاف الأحوال) أي صفات المكلفين (والأشخاص) أي أعيانهم (والأزمنة والأمكنة) وذلك الاختلاف يقتضي النسخ.
  (وقال غيرهم) أي: غير قدماء أهل البيت $ وهم جمهور المعتزلة وغيرهم: (بل) إنما جاز النسخ (لأنها) أي العبادات وغيرها من سائر الشرائع (مصالح كلها) للمكلفين إما ألطاف في الواجبات العقلية كالشرائع كما مر لهم أو مجرد مصلحة كغيرها.
  (لنا) عليهم: (ما مر) في كتاب النبوة أن الشرائع شكر لله تعالى.
  وقال (أكثر اليهود: لا يصح النسخ) عقلاً ولا سمعاً، وبعضهم جوزه عقلاً لا سمعاً، وبعضهم جوزه عقلاً وسمعاً وأنكر كون نبينا محمد ÷ مرسلاً إليهم وقد تقدم ذكر مقالتهم والرد عليهم في ذكر نبوءة نبيئنا محمد ÷.
  (لنا) عليهم: (ما مر) الآن من الدليل الواضح وهو أن لله تعالى أن يستأدي شكره بما شاء إلى آخره، وما تقدم ذكره.
  (و) لنا حجة عليهم أيضاً: صحة وقوعه فإنه (قد وقع) النسخ باتفاق بين الناس (وذلك تحريم نكاح الأخوات بعد أن كان مباحاً لأولاد آدم) وذلك أن الله تعالى أباح نكاح الأخت من أولاد آدم للآخ الذي لم يكن توأماً لها