[فصل في ذكر الناكثين والقاسطين والمارقين]
  فغضب الزبير وقال: أمثلي يفزع من هذا، ثم نزع سنان رمحه وحمل على جيش علي # فقال علي لأصحابه: «أفرجوا له فإنه قد أغضب وإنه ينصرف عنكم» فانصرف حتى أتى عمير بن جرموز فنزل به فقال له: يا أبا عبدالله حثثت حزباً ظالماً أو مظلوماً ثم تنصرف أتائب أنت أم عاجز فسكت عنه الزبير ثم عاوده ثم قال له: يا أبا عبدالله حدثني عن خصال أسألك عنها، قال: هات.
  قال: خذلك عثمان وبيعة علي وإخراجك أم المؤمنين وصلاتك خلف ابنك ورجوعك عن هذه الحرب؟
  فقال الزبير: أما خذلي عثمان فأمر قدم الله فيه الخطيئة وأخر التوبة.
  وأما بيعتي علياً فلم أجد من ذلك بداً بعد أن بايعه المهاجرون والأنصار، وإخراجي عائشة أردت أمراً فأراد الله غيره، وصلاتي خلف ابني إنما قدمه أم المؤمنين، ورجوعي عن هذه الحرب فظن بي كل شيء إلا الجبن.
  فانصرف عنه ابن جرموز وهو يقول: وا لهفي على ابن صفية أضرمها ناراً ثم أراد أن يلحق بأهله، قتلني الله إن لم أقتله، ثم رجع إليه كالمستنصح فقال له: يا أبا عبدالله دون أهلك فيافي فخذ نجيبتي هذه وخل فرسك ودرعك فإنهما شاهدان عليك بما تكره فترك فرسه ودرعه، وإنما أراد ابن جرموز أن يبقى حاسراً لما كان يعلم من بأسه وشجاعته.
  وأتى الزبير رجل من كلب فقال له: يا أبا بعدالله أنت صهري وابن جرموز لم يعتزل هذه الحرب من خشية الله ولكنه كره أن يخالف الأحنف(١)، وكان الأحنف قد اعتزل حرب الجمل لأنه قال لعلي #: إما أن أنصرك في خمسمائة أو أكف عنك ستة آلاف سيف، فقال له علي #: «كفى بكفك هذا ناصراً» فقعد الأحنف عن حرب الجمل وقعد معه ابن جرموز، ولكن ارجع إلى ابن
(١) الأحنف بن قيس أبو إسحاق، شهد مع علي # صفين، وكان من محبيه وشيعته، توفي سنة سبع وستين، أو إحدى وسبعين. (الجداول الصغرى باختصار).