شرح الأساس الكبير،

أحمد الشرفي القاسمي (المتوفى: 1055 هـ)

(فصل في التحسين والتقبيح العقليين)

صفحة 153 - الجزء 1

  مناكب الأرض والانتفاع بالأحجار والأشجار والمياه الغير المملوكة للآدمي ونحو ذلك، وليس ذلك إلا بفطرة عقولهم.

  ولما علمنا أن الله سبحانه قد أنعم على عباده بأصول النعم وفروعها وجليل المنن وعظيمها، وكان من جملتها الأرض وما بث فيها من المخلوقات، وعلمنا أنه تعالى قد خلق لنا عقولاً هادية إلى كل خير منجية من كل مكروه وضير علمنا أنه سبحانه قد جعلها لنا علامة لما نأخذ وما نترك (كالممكِّن من أملاكه) أي: فصار فعله تعالى كفعل الممكن من الناس لغيره أي: أملاك ذلك الممكن على جهة الإباحة (الناصب للعلامة) البينة (فيما يؤخذ منها) أي: من أملاكه (وما يترك) منها وذلك بأن ينصب حاجزاً بين الذي أذن له في أخذه والذي لم يؤذن له فيه أو أي: أمارة يفهمها المباح له فيعلم حينئذ قطعاً حسن الانتفاع بما نصب عليه قرينة الإباحة وقبح الانتفاع بما نصب عليه قرينة المنع من الانتفاع.

  وقد أرشد الله سبحانه إلى ذلك حيث (قال تعالى: {فَأَلْهَمَهَا}) - أي النفس التي أريد بها العموم - أي: كل نفس ({فُجُورَهَا}) أي: كل فحش وقبيح ({وَتَقْوَاهَا}⁣[الشمس: ٨])، أي: ما يقيها من السوء ويزلفها من الخير وهو كل حسن وبر.

  وقوله تعالى: {فَأَلْهَمَهَا} (أي بما ركب) الله (فيها) أي: في النفوس (من العقول) أي: الذي هو العقول الهادية إلى سبيل الرشاد والذائدة لمن استعملها عن الضلال (ولم يفصل) تعالى بين إلهام الحسن في ملاءمة الطبع وفي صفة الكمال والقبح في منافرة الطبع وصفة النقص وبين إلهام الحسن فيما يتعلق به في الآجل ثواب والقبح فيما يتعلق به في الآجل عقاب، بل فيها دليل على أن الذي زعمته المجبرة منسوباً إلى العقل من جهة ملاءمة الطبع ومنافرته ليس منسوباً إلى العقل لأنه ليس من الفجور والتقوى.

  ثم نقول: هذه الآية مع تأكيدها لقولنا يلزمكم حجتها لأنكم تحتجون