شرح الأساس الكبير،

أحمد الشرفي القاسمي (المتوفى: 1055 هـ)

[باب: في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]

صفحة 10 - الجزء 4

  «في أمر الدين ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار» ونحو ذلك.

  قال #: (قلت وبالله التوفيق: ويجب أيضاً أمر العارف بالمعروف ونهي العارف بالمنكر وإن لم يحصل الظن بالتأثير) وذلك للإعذار إلى الله سبحانه بالخروج من عهدة ما يجب عليه وإثبات الحجة على المأمور والمنهي (لقوله تعالى: {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ١٦٤}⁣[الأعراف]، والمعذرة إلى الله تعالى لا تكون عما لا يجب) فثبت كون الواعظين الناهين فعلوا ما يجب عليهم مع أنهم قد قرروا قول الطائفة التي قالت لم تعظون قوماً الله مهلكهم أي لا ينفع الوعظ فيهم فكأنهم قالوا: صدقتم لا ينفع الوعظ فيهم ولكن ليس ذلك عذراً لنا في السكوت عنهم لأنه يجب علينا أن نفعل ذلك معذرة إلى الله أي لنخرج عما يجب علينا له تعالى من إلزام الحجة على من عصاه حتى يكون ذلك عذراً لنا في النجاة من عقابه.

  وأما قوله تعالى حاكيا: {وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ١٦٤} فإنه علة أخرى في وجوب الوعظ فكأنهم قالوا: إن الوعظ والتذكير واجب علينا بكل حال إما للخروج من عهدة الواجب إن كان هؤلاء المنهيون لا يرتدعون أو لرجوى ارتداعهم واتعاظهم فنحن لا نستمع لقولكم وعذلكم لنا عن نهيهم بل أنتم مخطئون بالسكوت فهذا معنى الآية ويدل عليه قوله تعالى بعدها: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ١٦٥}⁣[الأعراف]، فأخبر الله سبحانه بنجاة الناهين فقط وأشعر ظاهر الآية أن الساكتين والظالمين هلكوا جميعاً.


= شيبة في مصنفه، ورواه الطبراني في الكبير والأوسط عن ابن عباس وأبي هريرة، ورواه ابن حبان في صحيحه، وغيرهم.